تختفي تحت أنقاض الحرب الأهلية في سوريا، بشكل حرفي تقريباً، قصة نجاح اقتصادي قلما يتناولها الحديث. حنان عودة لاجئة فلسطينية عمرها 30 سنة تقيم في مخيم جرمانة للاجئين في دمشق. وهي تدير مشروع أعمال صغير الحجم ومتنامياً لتعيل أسرتها المكونة من ثلاثة أفراد، والتي عانت من التهجير أكثر من مرة. لقي زوجها مصرعه في النزاع، ولكنها رفضت الاستسلام لليأس والاعتماد على والديها. فبادرت إلى تأسيس مشروع للتجارة بالقرطاسية والروائح، حيث تديره من منزل الأسرة الذي تضرر بشدة ولكنها قامت بإعادة بنائه من جديد. إن هذه المرأة الشابة والمبدعة والشجاعة تقدم إثباتاً حياً على أنه عندما تنهار مشاريع الأعمال الكبيرة، فبإمكان المشروعات الصغيرة الحجم أن تستمر بل وتزدهر في الأسواق المشرّعة أبوابها على المستوى الشعبي.
فيما يجتمع كبار القادة وشخصيات الأعمال البارزة في المنتدى الاقتصادي العالمي في الأردن هذا الأسبوع، لن يكون هناك مناص من التفكير في حنان وهي تطبق المثل العليا ذاتها التي يناصرونها. لا بد من أن يتردد صدى عملها في اجتماعهم الذي يسعى إلى "تحفيز ريادة الأعمال" وتمهيد الدرب نحو "تحول اقتصادي شامل للجميع".
في تموز/يوليو 2014، اجتاح العنف مسكن حنان ومشروعها التجاري، فنزحت عن المكان خوفاً على حياتها. وبعد سنتين من عيش الكفاف مع أسرتها، رجعت إلى منزلها الذي كان قد تضرر وتعرض للنهب بأكمله. وانطلقت حنان على الفور في العمل على إعادة بناء البيت وحصلت على أول قرض لها من الأونروا في سنة 2016. شكّل القرض إضافة إلى رأس المال العامل لدى حنان، فوسعت قاعدة منتجاتها وتنامى دخلها، وهي الآن تتطلع إلى الانتقال بنشاطها التجاري إلى مستوى أعلى من التوسع واكتساب السمعة التجارية المميزة.
وفقاً للمركز السوري لبحوث السياسات، تسبب تراجع التصنيع في سوريا بأضرار اقتصادية تعادل 254.7 مليار دولار أمريكي. وفي سنة 2015 لوحدها، بلغت خسائر الناتج المحلي الإجمالي 163.3 مليار دولار. ونتيجة للانهيار الاقتصادي، كان أكثر من 85% من السوريين يعيشون في فقر حسب نهاية سنة 2015، وكان أكثر من 69% من السكان قادرين بالكاد على البقاء على قيد الحياة في ظل الفقر المدقع. وقد أدى الوضع إلى ضياع حوالي ثلاثة ملايين وظيفة، فيما تصل معدلات البطالة الآن إلى أعلى من 50%.
أتاح التمويل الذي حصلنا عليه مؤخراً من المانحين، ولا سيما مليون دولار أمريكي من الاتحاد الأوروبي، إمكانية أن نتوسع في نطاق التغطية بأنشطة التمويل الصغير. ومن خلال السعي الدؤوب للوصول إلى منافذ جديدة، نعكف بنشاط على تحديد المواقع الجديدة للسكان النازحين من أجل الوصول إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين نخدمهم وتقديم منتجات القروض حيثما تكون الفرص متاحة في الأسواق. تعطي بلدة الحسينية بجوار دمشق مثالاً جيداً على ذلك.
نزح سكان البلدة عنها عندما وقعت في قبضة الجماعات المسلحة، ثم بدأ الأهالي بالعودة إليها في النصف الثاني من سنة 2015 بعد أن تم إخراج المتمردين منها. ومع تحسن الوضع الأمني وعودة اللاجئين الفلسطينيين، أوفدت الأونروا إلى الحسينية اثنين من الموظفين المختصين بالتمويل الصغير.
وخلال سنة، جرى تدقيق عشرات مخططات الأعمال، وتقييم المخاطر المتعلقة بالسوق، وإصدار 100 قرض، مما ساعد في تأمين مستوى معيشي أفضل للاجئين العائدين من خلال تمكينهم من إدرار الدخل وإصلاح مساكنهم وتأثيثها، وبالتالي تخليص أنفسهم وأفراد عائلاتهم من قبضة الفقر ومن الاعتماد على المعونات. وقد أحرزت دائرة التمويل الصغير في الأونروا نجاحاً مذهلاً من خلال توزيع 9520 قرضاً في مختلف أنحاء سوريا في سنة 2016، بقيمة تقارب مليوني دولار. إننا نستطيع أن نبني على هذا السجل ونوسعه بدعم من المانحين والشركاء.
أود أن أشيد بموظفي الأونروا الذين حققوا ذلك على الرغم من الصعوبات. فقد تضررت معظم مكاتب التمويل الصغير في الأونروا أثناء النزاع في سوريا. كما أن الحرب أثرت بقدر كبير على موظفي التمويل الصغير وعائلاتهم. فقبل النزاع كان لدينا 130 موظفاً في ستة مكاتب عبر البلاد. وكانت غالبيتهم من مخيم اليرموك المدمر حالياً في دمشق، حيث كان يوجد أكبر مكاتب التمويل الصغير التي نديرها.
نزح من البلاد أكثر من نصف موظفي التمويل الصغير العاملين لدينا، وتعرض الثلث للتهجير داخل البلد. ونحن نسعى، رغماً عن كل تلك المصاعب، إلى الاحتفاظ بموظفينا كلما سمحت الطروف بذلك، ونعمل على إعادة توزيع الكوادر على فروع جديدة حيثما تلوح الفرص في الأفق.
كما أن قروضنا تطورت هي أيضاً بمرونة استجابةً للنزاع الجاري. فنحن حالياً نقدم خمسة منتجات من القروض تستجيب للأوضاع الطارئة المتصاعدة في سوريا وتساعد اللاجئين الفلسطينيين في إعادة بناء مساكنهم والاحتفاظ بدخل ثابت لأنفسهم ولعائلاتهم الممتدة. وليس هذا بالإنجاز الصغير فيما تدور رحى الحرب بلا هوادة في البلد.
يعطي عمل الأونروا في التمويل الصغير مثالاً نادراً ومهماً على الأمل في البلد. وفيما يسعى القادة في المنتدى الاقتصادي العالمي لصياغة استجابات مبتكرة ومرنة وشمولية للنزاع الأكثر مأساوية في عصرنا، فأملي أن يجدوا في قصة حنان أفكاراً مفيدة وبناءة، بل وملهمة أيضاً. فهي امرأة شابة استثنائية تقف بشجاعة في وجه مصاعب لا تصدق لإحداث تحول في مجتمعها المحلي من الداخل، ببناء خطط للأعمال واحدة فواحدة، وهو ما يسعى المنتدى الاقتصادي العالمي، في أفضل الحالات، إلى تحقيقه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية