العاملون في مصنعِ الكراهية، ينتظرون صباحاً على موقفِ الباصات، يجلسون على كرسي الكذبِ يتناولون وجبةَ طعامِهم المسمدة، من أفواه السياسيين وأصحاب المصالحِ العظمى من أصحابِ رأسِ المالِ السياسي والاقتصادي؛وتبدأُ العجلةُ تدورُ في كيفيةِ صناعةِ خطابٍ إعلامي يتسمُ بالكذبِ والتضليلِ والكراهية، ويتمُّ بثُه للمواطنين، فقد باتت صناعةُ خطابِ الكراهية صناعةً لا مثيلَ لها في مجتمعٍ يعاني من انعدامِ المواد الخام التي تستخدمُ في صناعةِ الغذاءِ والملابس، ولو قدرَ لنا أن تكونَ الصناعاتُ الفلسطينيةُ مثلَ صناعةِ خُطبِ الكراهية لوضعت شهاداتُ الجودةِ "الايزو" في جيبِها الصغير.

مع إشراقةِ كل صباح تدُورُ مؤشراتِ الإذاعاتِ الفلسطينية ببثِ القرآنِ الكريم والسلامِ الوطني وبعدها فيروز الصباح وصولا إلى الوجباتِ الدسمةِ من تصريحاتِ المسئولين حول "الانجازاتِ الوطنيةِ العظيمةِ وأهميةِ الحفاظِ على الثوابت، والتأكيدِ على حريةِ الأسرى وعودةِ اللاجئين وأنه لا مهربَ من التنديدِ بالفلتان الأمني، مع استدراكِ المؤامرات التي تحاكُ ضدنا، وأهمية التصدي لها بكلِّ قوة"، ولا ننسَ سيلَ الشتائمِ والانتقاداتِ للأحزابِ المعارضة وشخصياتها وربما يصلُ الأمرُ إلى حدِّ التخوين والتكفير.

 جلست صحبةَ ثلاثين مفكراً من قادةِ الرأي العام والكتابِ والصحفيين، ودار نقاشٌ عميقٌ حول " خطابِ الكراهيةِ والصحافةِ الكاذبة ودورِ وسائلِ الإعلام في نشرِ التسامح والسلم المجتمعي"، لقد أيقن الحضورُ أن خطابَ الكراهيةِ يُطبخُ على نارٍ هادئةٍ في أوساطِ الأحزابِ السياسيةِ الفلسطينية ومنظماتِها الصغيرة، واستمرار مسلسلِ التحريضِ وتبادل السباب والشتائم عبر وسائلِ الإعلامِ ووسائلِ التواصلِ الاجتماعي "ظاهرة" لا يمكنُ الوقوفُ مكتوفي الأيدي أمامَها، تلك الظاهرةُ التي أرّقت المجتمعَ الفلسطيني، حيث أضحت خطاباتُ الكراهيةِ تشكلُ ناقوسَ خطرٍ على السلمِ الأهلي والمجتمعي.

إن انعدامَ خياراتِ البحثِ عن مستقبلٍ في الأراضي الفلسطينية هو معتمدٌ بالأساسِ على عدمِ تكافؤ الفرصِ وعدمِ تمكين مؤسساتِ المجتمعِ المدني وحقوقِ الإنسانِ من القيامِ بدورِها الفاعل في بناءِ المجتمع المدني المتحضر الذي يَعتمدُ فيه المواطنون على تقبلِ النقدِ وحريةِ الرأي والتعبير وأن اختلافَ الآراءِ لا يفسدُ للودِّ قضية، ولكنّ الواقعَ مغايرٌ تماماً فلازال مصنعُ الكراهيةِ ينتجُ يوميا آلافَ الكلماتِ والعباراتِ التحريضية، خاصةً بين الخصومِ السياسيين، وان الصحافةَ تقعُ ضحيةَ تلك العباراتِ لارتباطاتِها الحزبيةِ أو الفكريةِ أو الاقتصادية بتلك الخصومات، فهي تدافعُ عن مصالحِها في البقاءِ والاستمرارِ في العمل، فالحديثُ عن مؤسساتٍ صحفيةٍ وصحفيين مستقلين في الأراضي الفلسطيني يكادون يُعدون على أصابعِ اليد، في حين أن جُلّهم يعتقدُ أنه صحفيٌّ موضوعي أو صحفي مهني أو صحفي مستقل.

خطابُ الكراهيةِ لا يتوقفُ فقط على السياسيين فقط، بل تجدُ أن مشجعي كرةِ القدمِ المختلفون يتبادلون كلماتٍ وعباراتٍ تنمُّ عن الكراهيةِ والتحريض، وفي أكثرَ من موقفٍ وصلَ الأمرُ نتيجةَ تشجيعِ كرة ِالقدم إلى حد الخصومةِ و الاعتداءات ما بين المشجعين وذلك ربما يكونُ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي فيس بوك وتويتر وغيرها.

لقد أجمعَ الحاضرون في اللقاءِ النخبوي الذي نظمته مؤسسةُ بيتِ الصحافةِ في غزة بحضورِ ممثلين عن الاتحادِ الأوروبي ومنظمةِ اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب المفوضِ السامي لحقوقِ الإنسان، أن خطابَ الكراهيةِ يجبُ أن يتوقفَ في المجتمعِ الفلسطيني لأنه يحدُّ من انتشارِ ظاهرةِ السلمِ المجتمعي، وأن ضحيةَ هذا الخطاب الملوث فكريا ووطنيا، هو الأجيالُ القادمةُ من الشباب والأطفال.

المطلوبُ من وسائلِ الإعلامِ الفلسطينية وغيرِها أن تبثَّ خطابَ الحبِّ ونشرَ التسامحِ وقيمَ السلمِ الأهلي وأن تكونَ أداةً لنشرِ عاداتٍ وتقاليدِ المجتمعِ السامية وأن تكونَ منبرا يوحدُ ولا يفرق، ويوفرُ المناخَ الايجابي الذي يعتمدُ على حريةِ الرأي والتعبير، مع ضرورةِ الأخذِ بعينِ الاعتبارِ إغلاق مصنعِ الكراهية، وإحالة العاملين فيه إلي التقاعد، وإلقاء الماكينات والكراسي والطاولات في البحرِ كي نوفرَ أماكنَ يجتمعُ من حولِها السمك، وتكونُ مصدرا لتوفيرِ أرزاقٍ لصيادي البحر . 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد