2014/10/12
97-TRIAL-
إثر العدوان الإسرائيلي الواسع الأول على قطاع غزة 2008ـ2009، تنادى المجتمع الدولي لعقد مؤتمر لإعادة إعمار ما دمرته هذه الحرب في قطاع غزة، وبالفعل تم عقد مؤتمر دولي برعاية مصرية - نرويجية في آذار 2009 في شرم الشيخ بمشاركة 90 دولة إضافة إلى عدد كبير من المنظمات غير الحكومية وتعهدت بتقديم 4.7 مليار دولار، منها 1.6 مليار لإعادة إعمار قطاع غزة والباقي للتنمية الفلسطينية الشاملة في عموم السلطة الفلسطينية، جاءت أكبر التعهدات من السعودية بمليار دولار، وأميركا بـ 900 مليون دولار والدنمارك 220 مليون دولار وكل أوروبا بـ 1.25 مليار دولار.. على أن خطط السلطة الفلسطينية لم تكن تتجاوز جمع 2.7 مليار دولار كهدف ينبغي بلوغه، من الواضح أن التعهدات كانت أكبر من تلك الخطط الفلسطينية.
بعد حوالي خمسة أعوام، يتبين أن التعهدات شيء والالتزام بها شيء آخر، فعدد قليل من الدول التزمت بتعهداتها، بينما العدد الأكبر من هذه التعهدات لم يتم الوفاء بها، وإذ اننا الآن، وفي هذا اليوم بالذات أمام مؤتمر مشابه يعقد في القاهرة وبرعاية مصرية نرويجية أيضاً، فإن الأمر يكاد يعيد نفسه، إذ ان مبررات الدول التي أخلّت بالتزاماتها، أعادت الأمر إلى عاملين، العامل الأول، سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، أما العامل الثاني، فيتعلق بإمكانيات حرب جديدة تدمر ما تم إعادة بنائه، عاملان أساسيان لم يوفرا الحاضنة الضرورية لتوفير كل ما يتطلبه إعادة بناء ما دمرته الحرب، أو الحروب الإسرائيلية الثلاث على قطاع غزة، خاصة وأن العديد من المشاريع التي تم افتتاحها والتي قيد البناء، قد تم تدميرها من جديد في أثناء الحرب الإسرائيلية الثالثة على القطاع قبل أسابيع قليلة من عقد مؤتمر القاهرة هذا اليوم!
الاستعدادات التي سبقت عقد مؤتمر اليوم، تشير إلى أن كافة الأطراف، الدول المانحة، إسرائيل، الجانب الفلسطيني، أدركت أهمية تلاقي أو إيجاد حلول للعاملين اللذين أديا إلى تعطيل إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب الأولى: حماس وإمكانيات واسعة لحروب قادمة، وبالفعل فقد عقدت حكومة الوفاق الوطني برئاسة رئيس الحكومة رامي الحمد الله اجتماعها الأول في قطاع غزة قبل يومين من مؤتمر القاهرة تنفيذاً للتوافق (الجديد الأخير) بين حركتي حماس و فتح في القاهرة قبل عيد الأضحى، وبموجبه تم التأكيد على ضرورة تمكين حكومة الحمد الله من أن تحكم فعلياً في قطاع غزة، كما هو الأمر عليه في الضفة الغربية، كان اجتماع الوزارة أو بالأصح اللقاء الوزاري الذي استمر أربعين دقيقة، تم خلاله التقاط الصور،
ما هو إلاّ رسالة للدول المانحة، لكي تطمئن إلى أن هناك حكومة واحدة، هي حكومة أبو مازن، قادرة على القيام بكافة المهام المناطة بها من أجل تنفيذ خطط إعادة البناء والأهم من ذلك وفي سياقه، الإشراف على المعابر والتدقيق الأمني والاقتصادي بكافة المواد الأولية اللازمة لتنفيذ مشاريع بناء الإعمار. تزامن اجتماع حكومة الحمد الله، مع قرب انعقاد مؤتمر الدول المانحة في القاهرة يؤكد أن هذا اللقاء يهدف إلى إرسال مثل هذه الرسالة، أكثر منه رسالة إلى المجتمع الفلسطيني بتمكين حكومة الحمد الله من أن تحكم في قطاع غزة! استمرار حيوية اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، حتى بدون عقد الجولة الثانية من المفاوضات بين الجانبين، الوفد الفلسطيني الموحد وإسرائيل بشكل غير مباشر وبرعاية مصرية، هو تأكيد على أن الجانبين، ولأسباب مختلفة، أكثر حرصاً على عدم الدخول في حرب جديدة، ذلك بالتوازي مع جملة من التسهيلات الإسرائيلية الموعودة، بإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، مع توفير أكثر من خمسة آلاف فرصة عمل لعمال قطاع غزة داخل "غلاف" القطاع في إسرائيل، إضافة إلى تعهدات بتصاريح للزيارات المتبادلة للمواطنين بين الضفة والقطاع، وبرامج أخرى في نفس السياق، تشير كلها إلى أن إسرائيل باتت أكثر قناعة، بضرورة توفير الحدّ الأدنى من الحياة الإنسانية للغزيين في سبيل عدم التوجه إلى حرب جديدة، وهو إدراك خاطئ من دون شك، ذلك أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي مع مواصلة بناء المستوطنات وتهويد القدس كلها عناصر تفتح الطريق أمام حروب جديدة، لكن هذه الإجراءات "المتسامحة" ما هي إلاّ عناصر توفر تأجيلاً محتملاً لمثل هذه الحروب ليس إلاّ، مع ذلك، فإن مثل هذا التأجيل ضروري من أجل اطمئنان الدول المانحة على أن أموالها في مشاريع لا يدركها خطر التدمير من جديد، لبضع سنوات على الأقل!
الأبعاد الاقتصادية ليست خافية في هذا المؤتمر، لكنها مع ذلك لا يمكن لها أن تحجب الطابع السياسي للمؤتمر، ويتمثل ذلك في جهود مختلفة تلتقي على ضرورة وضع حد للحروب على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، سواء من خلال إنعاش العملية التفاوضية كما ترى واشنطن، أو من خلال الجهد الفلسطيني بالتقدم إلى مجلس الأمن بمشروع قرار لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية وفقاً لبرنامج زمني محدد، أو المشروع الفرنسي الذي يقال إن باريس ستتقدم به إلى مجلس الأمن بدعم من دول الاتحاد الأوروبي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وترسيم الحدود وإقامة الدولة الفلسطينية، وعلى الأرجح أن العناصر السياسية ستكون هي الأكثر صدى وجدوى في مؤتمر عنوانه ذو طبيعة اقتصادية في الجوهر، خاصة وأنه لم يعد الفصل بين العاملين بسهولة إذا ما عرفنا أن الاقتصاد ما هو إلاّ السياسة بشكل مكثف!
Hanihabib272@hotmail.com 264
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية