يبدو أن تبني « حماس » لوثيقتها الجديدة التي تعتبر تطويراً للبرنامج السياسي للحركة باتجاه أكثر اعتدالاً وبصورة تقربها كثيراً من برنامج منظمة التحرير لم يؤد إلى النتائج المرجوة حتى الآن، وباستثناء ردود الفعل الفلسطينية المرحبة وموقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال إن وثيقة «حماس» تمثل صفحة جديدة نحو الوحدة وحل القضية الفلسطينية أو التوافق بين حركتي «حماس» و»فتح»، لا توجد ردود فعل ايجابية تذكر، وأسوأ ردود الفعل ما عبر عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي مزق الوثيقة وعبر عن رفضه لها. أما رد الفعل الأميركي الذي عبرت عنه إدارة الرئيس دونالد ترامب فهو عدم تغيير موقفها من «حماس» أي استمرار اعتبارها حركة «إرهابية « محظورة.
هذا بطبيعة الحال ليس هو ما سعت «حماس» إليه في إقدامها على تغيير موقفها جزئياً من موضوع التسوية السياسية والنظرة لإسرائيل واليهود. فالحركة كما يتضح من تصريحات رئيس مكتبها السياسي السابق في لحظات مغادرته، في مقابلة مع قناة (سي أن أن)، والتي قال فيها إن على الرئيس ترامب أن يلتقط الفرصة ويتعامل بجدية مع حركة «حماس» بعد الإعلان عن الوثيقة السياسية للحركة، تريد أن تحظى بالقبول الدولي بمجرد نشر وثيقتها باعتبار أنها انحازت إلى الجانب المعتدل في الخارطة السياسية شرق الأوسطية وأنها تختلف عن الحركات والمنظمات المتطرفة المرفوضة دولياً على غرار «داعش» و «جبهة النصرة». وبذلك تحصل على اعتراف بصفتها التمثيلية ربما كبديل لمنظمة التحرير التي باتت قريبة منها من حيث القبول بدولة في حدود العام 1967.
وعلى ما يظهر لا تدرك قيادة «حماس» أن التوقيت كان متأخراً جداً لإحداث التغيير، وأن هذا التغيير بطيء وليس كافياً دولياً بالنظر إلى موقف منظمة التحرير الذي ذهب بعيداً في المرونة والاعتدال الذي يسميه البعض تنازلاً، فمهما تقدم «حماس» وتعتمد صيغ أقرب إلى برنامج منظمة التحرير في عام 1979، فهي لن تقترب في المدى القريب إلى ما قدمته القيادة الفلسطينية في المفاوضات السياسية في «أوسلو» وقمة كامب ديفيد ومحادثات طابا والمفاوضات مع إيهود أولمرت، وحتى في الجولات التي قادها وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وبالتالي ماهو مطلوب من «حماس» أكثر بكثير من قدرتها على تلبيته. ربما يكون هذا كافياً لبعض الدول الأوروبية التي كانت قد بدأت حواراً مع «حماس»، ليس لدرجة اعتبارها بديلاً لمنظمة التحرير أو عنواناً للتفاوض باسم الشعب الفلسطيني، ولكن موقف «حماس» الجديد لن يكون مقبولاً من الإدارة الأميركية التي سبق أن اشترطت الحوار مع المنظمة والاعتراف بها قبولها قرار مجلس الأمن 242 ومبدأ حل الدولتين. ولا تزل «حماس» بعيدة عن ذلك.
      وبطبيعة الحال هناك أهمية خاصة لرد الفعل والموقف الإسرائيلي الذي لا يريد اعتدال «حماس» بل على العكس إسرائيل اليوم تريدها منظمة متطرفة موصومة بالإرهاب وتسيطر على قطاع غزة وتفرض الأمن وتحافظ على وقف إطلاق النار. فمن جهة هذا يبقي على الانقسام ويضعف الطرف الفلسطيني في العملية السياسية، ويظهر القيادة الفلسطينية بعدم القدرة على السيطرة على كل مكونات الشعب وعلى قطاع غزة على وجه الخصوص. ومن جهة ثانية هذا يشكل ذريعة لإسرائيل لتكرار مقولة أنها لن تنسحب من الضفة الغربية لأنها لن تسمح بسيطرة «حماس» المتطرفة التي تريد إبادة إسرائيل، على الضفة وتهديد التجمع السكاني الأهم في إسرائيل وهو منطقة تل أبيب وجوارها، ومطار بن غوريون. فعندما تعتدل «حماس» وتقبل بدولة في حدود العام 1967 وتصبح مثل المنظمة فهذه الذريعة تسقط، وعندما تصبح «حماس» مثل «فتح» فلا مانع من محاربتها بجدية لأنها تتحول إلى عدو خطير. وإذا نظرنا لهجوم إسرائيل المركز على شخص الرئيس محمود عباس الذي لا يشك أحد على وجه الكرة الأرضية باعتداله فهذا يفسر الموقف الإسرائيلي الذي يحارب كل من هو معتدل وواقعي ويمكنه أن يعري السياسة الإسرائيلية ويكشف حقيقة نوايا إسرائيل الرافضة لفكرة الحل على أساس المرجعيات الدولية المتفق عليها.
أما مسألة التوقيت فالمشكلة لا تكمن فقط في التأخر، بل وكذلك في تعامل المجتمع الدولي مع القيادة الفلسطينية ومع شخص الرئيس محمود عباس. فالرئيس الأميركي الجديد كما اتضح من خلال زيارة الرئيس أبو مازن لواشنطن يتعامل معه كشريك أمني وحليف وهذا ربما أهم من اعتباره شريكاً سياسياً لأن المواقف السياسية قابلة للتبدل، فحماس واشنطن لعقد صفقة سياسية قد يخفت أو يتلاشى مع الوقت، ولكن الاهتمام بالأمن والتحالفات المبنية على أساسه لا تتغير بسرعة. هذا عدا عن اعتباره رجل سلام معتدلاً وثابت الموقف برغم كل المتغيرات.
لن يكون سهلاً على «حماس» التشكيك بتمثيل أبو مازن للشعب الفلسطيني والحصول على حصة من هذا التمثيل أو الاعتراف بها كطرف مواز لقيادة منظمة التحرير. وربما لو ذهبت بوثيقتها نحو الوحدة الوطنية على أرضية برنامج الإجماع الوطني الذي باتت تقبل به لسارت على الطريق الصحيح، الذي عدا عن كونه يحقق مصلحة وطنية عليا فهو يحمي «حماس» ويضمن لها حصة مهمة في القيادة السياسية الشرعية المعترف بها عربياً وإقليمياً ودولياً. وأي طريق آخر هو مجرد مجازفة محفوفة بالمخاطر، وعلى الأغلب ستكون خاسرة ومضرة لـ»حماس» وللكل الوطني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد