ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية يطلق فعالياته بثلاث ندوات و"نرجس العزلة" للأسير الخندقجي
رام الله / سوا / افتتح وزير الثقافة إيهاب بسيسو اليوم الأحد، ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية، وذلك في المسرح البلدي في دار بلدية رام الله، بحضور عدد كبير من الروائيين العرب والفلسطينيين، تحت شعار: دورة القدس ، نبيل خوري.
بدأت فعاليات اليوم الأول بندوة الافتتاح التي قدمها الشاعر عبد السلام العطاري وتحدث فيها بسيسو عن الملتقى: الرؤية والأهمية وضرورة الصمود، وقال بسيسو: عندما نتحدث عن آفاق العمل من أجل هذا الوطن، ننحني إجلالاً للشهداء والأسرى، ولهم كل التقدير والدعم والإسناد.
وتابع بسيسو: تعتمد رسالة الوزارة على خلق مناخ يعزز حضور فلسطين على مساحة الفعل الثقافي العربي، فبادرنا إلى ملتقى فلسطين للرواية العربية، كي نتوجه من خلاله إلى مجتمعنا العربي كي نحقق التواصل مع بعدنا العربي، ونسعى كذلك إلى ترسيخ هذا الملتقى كفعالية دائمة، وكبداية لملتقيات تنظمها الوزارة بشكل دوري.
لماذا فلسطين، تساءل بسيسو؟: لدورها الثقافي المميز منذ فجر التاريخ، ووجود هذا الملتقى في فلسطين يحمل رسالة بأن هناك شعب يمارس الحياة ويرفض الاستسلام، إن مواصلة الحياة هي عناد فلسطيني أصيل.
لماذا 2017؟ لأنه ذكرى مرور مئة عام على وعد بلفور، وخمسين عاماً على احتلال الضفة والقطاع وبقية القدس، و30 عاماً على الانتفاضة الأولى، لأن الذاكرة جزء أصيل من الفعل الثقافي الفلسطيني، ليس من باب الحنين، بل من باب توظيف الذاكرة في تثبيت روايتنا.
لماذا السابع من أيار؟ لأنه يوم ميلاد الشاعر الكبير الراحل توفيق زياد.
لماذا القدس؟ لأنها العنوان الذي يختصر وجودنا الوطني، هي خلاصة الروح الفلسطينية.
لماذا نبيل خوري؟ لأنه كاتب ثلاثية فلسطين، لأنه يحمل اسم القدس وكتب عنها، وارتبط بها، وسنقوم عبر دار الشروق المصرية بإعادة طباعة هذه الثلاثية لتكون متوفرة بين يدي القراء.
وأضاف بسيسو: إن الملتقى يشكل خارطة للإبداع الذي يقف في وجه طمس الرواية الفلسطينية ضد أهداف الاحتلال في منعنا من تعزيز ثقافتنا، لذا فإن المساهمة في فعالية ثقافية في فلسطين يمثل قمة التحدي، إذ أن الملتقى سيطلق مجموعة من الفعاليات التي تحتفي بالأسرى ونضالاتهم، مثل إطلاق رواية نرجس العزلة للأسير باسم خندقجي، وسيتم عرض فيلم اصطياد الأشباح لرائد أنضوني الذي يوثق تجربة عشرة أسرى فلسطينيين.
بعد ذلك، عقدت الندوة الأولى في الملتقى، وجاءت تحت عنوان: التجربة الذاتية وتجلياتها في الرواية العربية، وكان من المفروض أن يشارك فيها خمسة روائيين عرب، هم: إلياس فركوح من الأردن، وليلى العثمان من الكويت، وشكري المبخوت من تونس، وواسيني الأعرج من الجزائر، وأحمد المديني من المغرب، لكن ليلى العثمان وشكري المبخوت لم يحصلا على التصاريح اللازمة من سلطات الاحتلال، فشارك واسيني الأعرج وأحمد المديني، كما شارك إلياس فركوح عبر السكايب، وأدار الندوة الروائي أحمد حرب من فلسطين.
قال فركوح: أولاً أقدم التحية لأسرانا المضربين عن الطعام لليوم الحادي والعشرين، وهذه تحية مني ومن كل الأردنيين، إلى نضالهم المشرف.
وأضاف: أعلن أنني من الحذرين في إطلاق الأحكام، فالذات الراوية هي الرواية، والكاتب الروائي غير قادر على الإفلات من ذاته مهما حاول التحايل.
وأشار فركوح في مداخلته إلى أن الذات تزخر بعوالم داخلية ناتجة عن تجاربها الحسية، تتزود بها عند الكتابة، والذات تتحول إلى ما يشبه صورتها في مرآة النص.
واختتم فركوح مداخلته بالقول: ليس من وجود متحقق للذات بمعزل عن الموضوع، وليس هناك موضوع يمكن تخيله بمعزل عن الذات.
أما المغربي أحمد المديني فقد قال في مداخلته: أعبر عن اعتزازي بوجودي في هذه اللحظة بالذات في فلسطين، اللحظة التي يخوض فيها الأسرى إضرابهم، ولست هنا لأتضامن، أنا هنا في بلدي، وليس لأي كاتب عربي أن يبرر وجوده في فلسطين، فنحن لسنا متضامنين، نحن في قلب فلسطين.
أما فيما يخص موضوع الذات في الرواية فقد قال المديني: لا توجد تجربة ذاتية في الرواية العربية سلفاً، فما يعيشه شخص لا يسمى تجربة إلا باكتسابه دلالة ما.
وأوضح أن السيرة الذاتية هي الصيغة الأقدر على نقل التجربة، وكل ما كتب في بدايات الرواية في المغرب العربي هي تجربة جماعية تعمل الذات فيها كناقل وسيط للجماعة، وتعثر انطلاق الرواية في المغرب سببه أن الفرد فيه مقموع، لذا لم توجد تجربة ذاتية بهذا المعنى في الرواية العربية.
وقال الروائي الجزائري واسيني الأعرج: شكراً على هذا اللقاء الذي جمع الروائيين العرب في هذا الظرف الصعب.
وقام الأعرج بقراءة نص مؤثر كتبه حين أعلن الأسرى الفلسطينيون إضرابهم عن الطعام.
وقال: الذات كيان تاريخي وليس كياناً معزولاً، فكيف تتجلى الذات في مجتمع شديد التعقيد مثل المجتمع العربي، فهل هي ذات مستقلة؟
وأضاف: ذات الكاتب أكثر تطوراً بحيث يمكنها التعبير عن ذاتها بينما لا تستطيع الذات الجمعية ذلك، والذات ليست واحدة، بل هي ذوات متعددة تبدأ من لحظة التفكير في النص، وتموت هذه الذات حين ينتهي النص.
واختتم الأعرج مداخلته بالقول إن ذواتنا تكبر في مجتمع شديد القسوة، وعلى هذه الذات أن لا تتمحور حول ذاتها، أتحدث هنا عن الذات المبدعة القلقة.
الندوة الثانية كانت تحت عنوان: فلسطين رواية المكان والذاكرة، وأدارها إبراهيم أبو هشهش، واستضافت خمسة من الروائيين الفلسطينيين هم: يحيى يخلف، ومحمود شقير، وأنور حامد، وليلى الأطرش، وجميل السلحوت.
قال أبو هشهش في تقديمه للندوة: عندما بدأ الأدب الفلسطيني يأخذ استقلاليته عن الأدب العربي، بدأ أرضياً فلاحياً، أخذت فيه الأرض بعداً يختلف عن بعد الحنين المتعارف عليه، ثم انتقل الأدب إلى المدينة مع الرواية، أما المكان في الرواية الحديثة فهو أشبه بالمعنى، والمعنى سائل يتشكل حسب السياق، فكل قدس في رواية تختلف عن القدس في رواية أخرى.
وفي شهادته قال يخلف: من مخزون ذاكرة طفولتي عن المكان، كتبت معظم رواياتي، درسنا في مدارس الأونروا وشربنا حليبها، وهذا شكل عناصر هامة في رواياتي لاحقاً، وقد تعلمت في البيت الدافئ "بيت الطفولة" أكثر مما تعلمت في المدارس.
أما شقير فقال: بعد العودة ظهرت روايات تتعلق بعودة كثيرين لزيارة قراهم التي نشأوا فيها، ولم تذهب الرواية الفلسطينية إلى ما ذهبت إليه السياسة بعد أوسلو، فبقيت عكا وحيفا ويافا والناصرة حاضرة في الرواية.
وأضاف شقير: كان نتاج الروائيين الفلسطينيين الذين ولدوا خارج فلسطين معبأ بالأمكنة العربية والأوروبية، أما الذين عاشوا في فلسطين منذ ولادتهم فقد امتلأت الساحة بروايات كان المكان بطلها الرئيس.
أما ليلى الأطرش فقالت إن المكان يحتل المساحة الرئيسية في روايات البلدان المحتلة، ويتباين بين المكان المتخيل والمكان الواقعي، فالمكان لمن غادر الوطن هو الذاكرة، لكنها لم تكن المصدر الوحيد رغم سطوتها.
وأضافت: في رواياتي كانت فلسطين هي الذاكرة المجرحة بالصور والذكريات.
واختتمت: الذاكرة متطورة وتكتسب خبرات ولا تقف عند حد.
أنور حامد قال: بدأتُ الكتابة الروائية خارج المكان، فأول عمل روائي لي كتبته في المجر، وميزة الكتابة من خارج المكان هي السماح لك برؤيته بموضوعية أكبر، وتساعدك على التحرر من النظرة الأحادية للأمور.
وأضاف حامد: كتبت معظم رواياتي متكئاً على الذاكرة الفردية في الوطن، ولا تكفي العاطفة ولا الثقة بالنفس لمواجهة حملات التشكيك، بل يجب امتلاك لغة ومنظور.
جميل السلحوت آخر المتحدثين قال: أعظم روايات فلسطين هي ما خط بدماء شهدائنا وأنين أسرانا.
وأضاف: وجدت أن هناك أهمية لذكر الروايات التي كتبها أشخاص يعيشون داخل القدس المحاصرة والمعزولة عن محيطها الفلسطيني والعربي، فلا أحد يمكنه الكتابة عن هذا المكان إلا من عاش فيه.
واختتم السلحوت: البطل الرئيس في بعض رواياتي هو التخلف الذي جعلنا نهزم كل هذه الهزائم المتلاحقة.
في نهاية اليوم الأول قام وزير الثقافة إيهاب بسيسو والكاتب محمود شقير والشاعر عبد السلام العطاري بإطلاق رواية الأسير باسم خندقجي "نرجس العزلة"، وهي صادرة عن المكتبة الشعبية ـ ناشرون، في نابلس ، وتقع في 170 صفحة من القطع المتوسط، وصمم غلافها ورسم لوحته الفنان كامل قلالوة، وقامت والدة خندقجي وشقيقه بتوقيع الرواية للحضور بدلاً من الأسير باسم.