قد تؤدي بعض التناقضات إلى التجاذب، تماماً مثل قطبي المغناطيس السالب والموجب، وهذه الحالة الفيزيائية تنعكس أيضاً على كثير من مناح الحياة الاجتماعية، فمثلاً الكثير من الأصدقاء أو حتى الأزواج تختلف اهتماماتهم وانتماءاتهم ومع ذلك جمعهم الاختلاف الذي قيل أنه لا يفسد للود قضية.

لا.. لكن الاختلاف أفسد ودنا وقضيتنا وربما تمادى في إفساده، ولكن لأننا شعب طيب الأعراق لم تطول هذه المعضلة، فسرعان ما انتهى الاقتتال الداخلي الذي يمكن أن أسميه –لحظة شيطان- طالت كثيراً هذه اللحظة ولكنها انتهت بين أبناء الشعب وبقيت بتقطع بين قيادته التي تجعلك تحاكي نفسك بعد كل لقاء مصالحة يجمعهم وهم يتقابلون بالأحضان والقبلات والمزاح بالإضافة إلى الابتسامة التي لا تغادرهم طيلة اللقاء، إذن أين المشكلة !.

لديّ صديقة، أحُبها مع أننا بعد كل تصريح لقيادي "حمساوي"، ألومها وكأنها هي كاتبة التصريح أو المدلية به، نتبادل التناكف " المقصود" من كلا الطرفين، وننهي الحوار : " بلا فتح بلا حماس .. نرجع لموضوعنا" .

في شباط (فبراير) 2009، اجتمع قادة الفصائل في القاهرة واتفقوا على تشكيل وتسمية خمس لجان، من بينها لجنة "المصالحة الوطنية لترسيخ التسامح وتحريم الاقتتال" كما جاء في البيان الختامي، فقد يرى هؤلاء السياسيون أننا فقدنا التصالح المجتمعي و التسامح، أو ربما يتهيأ لهم أننا فقدنا الصلة والمحبة بين بعضنا لأننا نختلف في الانتماء السياسي الذي بات مشوهاً وتجد الكثيرين على وشك التبرأ منه .

وبدأ الكثير ممن ينتمون لقطبي الانقسام والاحزاب الأخرى يقتنعون أن لا انتماء إلا لفلسطين وما هذه الأحزاب إلا معيق أمام الوصول إلى هدف التحرير بسبب انحراف بوصلتها بعد الانقسام أو الحسم أو الانقلاب، سمّه كما ترغب .!

وبعيداً عن الأحزاب وبالقرب من المصالحة المجتمعية التي أراها موجودة -ولكنها تحتاج لدعم- لا بعيدة كما يعتقد هؤلاء السياسيون أنها تحتاج لجنة تصالح وطني- ولا أنفي ضرورة اللجنة-، فقد تجد الآن الصديق "الحمساوي" وقت ضيق " الفتحاوي"، فحين يقع الأخير في مشكلة بسبب نشاطه السياسي أو لأي سبب آخر، فإن أول من  يفك قيده هي واسطته " الحمساوية".

نعم لقد شكل الانقسام جرحاً نازفاً لايزال في قلوبنا جميعاً، لكننا نسيناه في فترة ما، العدوان الاسرائيلي الأخير على غزة وحدنا قيادةً وشعباً ومقاومة، مما يعني أننا قادرون على نسيانه تماماً.

كان الموت يجمعنا واحتضنا أنفسنا دون أن نذكر إن كان هذا " الجار " حمساوي أو فتحاوي، لقد كنا سوياً تحت النار ولازلنا .

أجزم أننا تصالحنا فيما بيننا، وأنتم تجلسون وتتفاوضون دون أن يبدو على ملامحكم ملامح الانقسام، إذن افعلوها!

ارتباط المصالحة المجتمعية بالحقوق الشخصية والعائلية جعلها من أهم الملفات الشائكة، لهذا فهي تحتاج لإصرار صادق لمعالجتها، خاصة أنها غير مرهونة بتدخلات خارجية يمكن أن يعيقها الاحتلال الإسرائيلي, بالإضافة إلى مرور الوقت ساهم في التخفيف من حدة الاحتقان وصارت الرغبة في التصالح والتسامح أقرب.

بالإضافة إلى أنها تهدف الى التسوية الداخلية على قاعدة المسامحة والعدالة  وتعويض المتضررين، وليست على حسابات المحاصصة التي تقوم عليها العملية السياسية المتعثرة منذ العام 2007.

نعم فإننا لا نستطيع أن نتجاهل تلك الأرواح التي أزهقت والأجساد التي تتعذب حتى اليوم بسبب إصابتها والحقوق التي ضاعت، فهؤلاء  يجب تعويضهم قبل الجميع ولكنهم بالتأكيد يرغبون بالتصالح، لأنهم مثلنا ملوا هذا الانفصال الجغرافي والسياسي، ومن أجل أرواح أبناءهم الضحايا ومن أجل فلسطين، سيسامحون.

لهذا، من الضروري أن يتم اطلاق مبادرة وطنية  لخطة  تسوية مجتمعية، من النخب السياسية والفكرية والأكاديمية والقانونية لمتابعة الاطار القانوني، وبالتأكيد ستجد تأييدا واسعاً، والأهم ألا يكون الهدف منها  اشغال الرأي العام المحتقن، وحرفه عن الاهتمام بالقضايا الاساسية التي تهمه كقضايا الاصلاح والمعيشة والأمن والصحة والخدمات، التي بح صوتنا من اجل تحقيقها.

جميعنا على استعداد بأن ننسى تلك العشر سنوات التي ضاعت من عمرنا، و من أجل ألا يضيع عمرنا الباقي وألا تضيع أجيالاً  قد يفوتها القطار مثلنا إن بقينا نقاتل طواحين الهواء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد