كان لنا وطنٌ واحد يجمعنا! رغم اختلاف أفكارنا وأيدلوجية أحزابنا... لقد كان لنا وطن حينما كان أبنائه يتقبلون الأفكار والأراء المختلفة، ولكن عندما ضاقت صدورنا بالأراء والأفكار الأخرى وتركنا العنان للسلاح لكي يعبر عنا، فانشطر القلب منذ اللحظة الأولى لإنطلاق تلك الرصاصات الشعواء، نحو صدور إخوة السلاح والكفاح.

 

إن الثوابت الفلسطينية قد تلاشت منذ أن أصبح رأب الصدع الفلسطيني أول هم لنا، قبل القدس وعودة اللاجئين وغيرها، فلقد تحطمت بوصلة القضية الفلسطينية وعقربها لم يعد يشير إلا لإصلاح البيت الفلسطيني .

 

إن كل مرحلة مرت فيها القضية الفلسطينية حسبناها مخاضًا، سيخلف مولودًا في ملامحه الوحدة الوطنية ولكن وبعد أن ينضج ذلك المولود حتى نجده يشبه إخوته الذين سبقوه وليزيد كاهل هذا الشعب المتأمل فشلًا جديدًا.

لقد طاف الشتيتان أصقاع المعمورة كافة دون جدوى فطهر مكة وعظم مكانة القاهرة لم تمنعهم من التنصل من كل ما تعاهدوا عليه، قد تكون القيمة في المكان لا بالأشخاص فلعلهم غير أبهين بلم تشرذم الشتيتين، لكن أسرى غياهب السجون قدموا وثيقة لرأب الصدع ولكن لم يحترموا عظم مكانة الأسرى وتنصلوا من كل شئ، كالشعرة من العجين تنسل.

 

 

أحيانًا كان يتفق طرفي المعادلة اتفاقًا مبدائيًا لا يسمن ولا يغنى من جوع، وسرعان ما تهرول له الفصائل الأخرى أملة أوطامعة في نصيب ما من قصعة الحكم!! رغم أنهم سابقًا كان متفرجين يصفقون ويراهنون دون أن يتدخلوا لجمع الطرفين والآن جاوؤا لكي يحصدوا نصيبهم من حكم فانٍ، ووسط تذمرهم من الاتفاق ما يلبث أن يتلاشى لكثرة الأكلة حول القصعة.

 

الشعب يئن ويستغيث فلقد تعب وتهاوت قواه وذاب كبريائه خلال هذه السنوات العجاف، التي مُزق فيها المجتمع وأضرمت النيران في كل سقيفاته، وحُرب الناس في لقمة عيشهم وتذوقوا مرار الفقر بيد ظلم الأخوين المتناحرين، ليت قيادة الحزبين تلقي بصيص اهتمام، يؤدي إلى لملمة جراح هذا الشعب الذي أضناه الإنقسام، لكن هذه القيادات من أنفسهم لا يخجلون.

 

الغريمان هم بيادق في أيدي أباطرة الصراعات العالمية فأحدهم محسوبٌ على القطب الغربي والآخر محسوبٌ على القطب الشرقي، يتأمرون بأمرهم ويطيعونهم بقدر المكافآت التي سيحصولون عليها مقابل هذه الخدمات، ولو ترك الغرمين هذه الأقطاب وألتفتوا إلى معاناة شعبهم لما وصلنا إلى هذا الحال.

 

وقبل الحديث عن سبل انجاح أي محاولة للمصالحة بين فتح و حماس ، علينا أن نكون واضحين أن القيادات الحالية في كلا الطرفين أصبحت عاجزة عن تحقيق أي شئ في سبيل إحقاق المصالحة، ومثل ما يقول المثل"تغير الوجوه رحمة"، فالوجوه الموجودة هي وجوه يأس وعقم وإحباط، لن تصلح شئ ولن تأتي بجديد.

 

إن تحقيق الوحدة الوطنية وجمع شقي الوطن لن يكون إن لم نبدأ باصلاح الفرد الفلسطيني، ومعالجة أسس تربيته الوطنية بحيث يتقبل الرأي الأخر دون أن يخونه أو يقصيه أو ينتقص من قدره، وليعي أن هدفنا الأسمى هو تحرير فلسطين ولن يتحقق إلا إن كنا يد واحدة.

 

إن المصالحة هي الكلمة التي نحتاجها والتي عهدناها قوية وذات مغذى إلا عبر ألسن أصحاب المنكفات والمهترات الإعلامية من كلا الطرفين لذلك قبل اتخاذ أي خطوة لتحقيق المصالحة علينا أن نكمم تلك الأفواه المشبوهة التي تنطق كفرًا بالمصالحة.

 

ولن نرى المصالحة بين فتح وحماس ماثلة أمامنا إن لم نداوي جراح كل بيت فلسطيني ذاق مُر الانقسام منذ أحداثه عام 2007م، ولتمسح دمعة أمهات الثكلى والأرامل والأيتام، لتجبر كل النفوس التي تحطمت، أن يعلن عن قتلى الانقسام بأنهم شهداء المشروع الوطني، على درب الثورة.

 

إن الأيام تمر وتجر خلفها السنين والتاريخ يسجل ولن يرحم أحدًا كائن منّ كان، فلنترك شيئًا يعطي الأجيال القادمة دفعة حياة ولتزرع فيهم ثقافة التسامح وتقبل الأخر، لا أن يعيشوا مثلما عشنا زرعت فينا ثقافة الرأي الواحد، ونمت بداخلنا نبتة الحقد وإقصاء الأخرين، لقد أرهقنا الحديث عن المصالحة لكثرة العثرات التي زرعت في معتركها، ويجب أن تطوى هذه الصفحة البغيضة من تاريخنا الفلسطيني وأن لا نقف عندها لكي لا تلعنا الأجيال القادمة ونكون عنوانًا للضياع والفرقة والتخلف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد