يعاني النظام السياسي أزمة طاحنة تعصف بالكيانية الفلسطينية وبالمجتمع الفلسطيني برمته.وبالرغم من أن أثر الأزمة على قطاع غزة أشد قسوة، سيما وأنها تترافق مع استمرار الحصار الإسرائيلي وجملة الانتهاكات شبه اليومية التي يرتكبها بحق الفلسطينيين في القطاع، إلا أن أحداً لا يمكنه أن يقلل من خطورتها حتى على الهوية الفلسطينية برمتها.

وصحيح أن الانتخابات ليست عصاً سحرية يمكنها أن تحل كل مشكلات النظام السياسي الفلسطيني المتراكمة والموروثة من حقبة منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن لا أحد يشكك في أنها ستشكل مدخلاً مهماً لابد منه في ظل توافق وطني فلسطيني. ويمكن استعراض أهمية وقيمة الانتخابات في الحالة الفلسطينية الراهنة على النحو الآتي:

تشكل الانتخابات المدخل السياسي الوحيد لتجديد الشرعية للمؤسسات الدستورية الفلسطينية الأساسية ولاسيما المؤسسة التشريعية ومؤسسة الرئاسة التي فقدت شرعيتها الدستورية من عام ٢٠٠٩ فيما فقدت المؤسسة التشريعية شرعيتها منذ عام ٢٠١٠.

تجديد مشروعية الحكم، التي يجب أن تستند إلى رضى وقبول الجمهور، وهذا أمر لا يمكن لأحد أن يدعيه طالما لم يعرض برنامجه ونفسه كمرشح أو مجموعة مرشحين على الشعب ليعطيهم الأغلبية اللازمة.

تقوي الانتخابات من مكانة الرئيس والحكومة لأن شرعيتهما ستستند إلى الشعب الذي هو مصدر السلطات وفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني، كما أن الانتخابات ستسحب ورقة من يد العدو المحتل، الذي يستخدم هذا العوار في التمثيل الفلسطيني ويوظفه أسوأ توظيف.

تعيد الانتخابات بناء النظام السياسي ومؤسساته على أسس ديمقراطية تسمح بالتدافع، وتولي وجوه شابة لمقاليد الإدارة، الأمر الذي من شأنه أن يعطي زخماً بشرياً للإدارات المختلفة. كما أن الشباب هم الفئة التي تدفع من عمرها ومستقبلها ثمناً باهظاً لواقع الأزمة التي نعيش، وهم الأكثر تماساً وارتباطاً بمشكلات المجتمع ولا سيما التي يعانيها الشباب، الذين بلغت نسبة البطالة في صفوف الخريجين ٨٠٪.

هذا وقد تسببت الأزمة الطاحنة والتي وصلت ذروتها في الصراع والنزاع على السلطة في إفقاد المواطنين الثقة في الانتخابات، بل ولم تعد تحظى باكتراثهم وهذا راجع لأسباب أهمها:الاعتقاد السائد لدى الكثيرين من العوام بأن الانتخابات تعبر عن ديمقراطية أي نظام سياسي، في فهم يتجاوز وظيفة الانتخابات الأساسية كونها وسيلة من وسائل التداول السلمي للسلطة. كما أنها السبيل شبه الوحيد لتجسيد حق الإنسان في المشاركة السياسية وفي المشاركة في إدارة شئون بلاده.

كما أن التجارب الانتخابية التي شهدتها أراضي الدولة الفلسطينية، وبالرغم من إجرائها وفق المعايير الدولية، وبالرغم من شهادة جهات الرقابة كافة محلية ودولية ورقابة الأحزاب والمرشحين المتنافسين بأن الانتخابات التشريعية جرت بحرية ونزاهة وأن نتيجتها النهائية عبرت عن إرادة عموم الناخبين الحرة، مع كل ذلك فقد غيّب النظام السياسي الفلسطيني احترام مبدأ دورية الانتخابات، الذي يعد مبدأً جوهرياً في تعزيز قيمة الانتخابات وتكريس دورها في تعزيز الاستقرار وتعزيز المشاركة الشعبية وفي كونها أداة لتفعيل المحاسبة الشعبية.

لقد أثر غياب الحياة الديمقراطية في النظام الفلسطيني في تعقيد المشهد وهيمنة الخطاب السياسي المتطرف، وفي تغييب جملة حقوق الإنسان، فأصبح الشباب بين مطرقة الاحتلال وحصاره وإعماله القتل والاعتقال والإفقار وغيرها من الانتهاكات في صفوفهم، وبين سندان الانتهاكات الداخلية التي غيبت حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي وضربت عرضت الحائط بمجمل الضمانات الدستورية والقانونية فشاع الاعتقال التعسفي وعلى خلفية الرأي والتعبير وتعززت هيمنة السلطة التنفيذية على مجمل السلطات الأخرى، وأصبح المجتمع الفلسطيني يسير نحو الكارثة حيث يتواصل تدهور الأوضاع الإنسانية وتتشابك الأزمات، بين البطالة والفقر ونقص إمدادات الكهرباء والمياه، ويتصاعد انتشار مشكلات اجتماعية يولدها الواقع القائم كانتشار المخدرات والحبوب المخدرة وانتشار جرائم القتل ولاسيما على خلفية السرقة والزواج المبكر والطلاق المبكر والتطرف وغيرها من المشكلات، التي تضرب عميقاً في جذورها بحيث سيدفع المجتمع ثمناً باهظاً من أمنه واستقراره ورفاهه الاجتماعي والاقتصادي ولفترة ليست بالقصيرة إذا افترضنا أننا بوعي شرعنا في فكفكة الأزمة وحلها.

عليه أعتقد جازماً أن الانتخابات ستشكل مدخلاً بالغ الأهمية لإنهاء أزمة النظام السياسية على أن تجري إعادة بناء لمؤسسات الدولة بحيث يطبق مبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القانون لأنهما السبيل لحل أي أزمات قد تنشأ ولأنهما السبيل للفصل في المنازعات التي قد تنشأ بين السلطات.

إن الانتخابات شكلت ولم تزل السبيل الوحيد للتداول السلمي للسلطة، كما أنها السبيل لتعزيز حقوق المواطنة وهي الضمانة الحقيقية لاستقرار المجتمع ولقطع الطريق على الصراعات المسلحة التي نشأت في السابق وقد تنشأ في المستقبل بين القوى والأحزاب المتصارعة على السلطة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد