يُقالُ إن "يارا" طفلةٌ صغيرةٌ مصابة بمرضِ السرطان، لها من السنين أربع اكتوت بنارِ "العلاج الكيماوي" سقطت ضفيرات شعرِها تحت أقدامِها، "خالتها" أخت أمها تحضرُ نفسَها للزواجِ، "يارا" تحبُّ الحياةَ لدرجةِ أنها تريدُ أن ترقصَ في عرسِ "خالتها"، مؤخراً حَصلتْ على وجبةٍ أخرى من العلاجِ الكيماوي في المستشفى، الذي أرهقَ مفاصلَ جسدِها ولم تعدْ تقدرُ على الحركةِ، لقد اقتربَ موعدُ العرس، وهي لازالت طريحةَ الفراش، تنتظرُ وتنتظرُ أن يقوى ساعداها على النهوضِ من الفراشِ مجدداً كي تمارسَ طقوسَ الفرحِ ولو ليومٍ واحدٍ في حياتِها قبل مماتِها.

"قَصةُ شعر إجبارية"، هي التي تعيشُ تفاصيلَها الطفلة "يارا"، ولكنَّ ذكاءَ الأمِّ لا يمكنُ أن يمنعَ براءةَ "يارا" من الظهورِ بشكلِ عروسةٍ صغيرةٍ في عرسِ خالتِها، فقد أحضرت "الباروكة" شعر مستعار وزينت وجهَ الطفلةِ وركبت الشعرَ على رأسِها وأحضرت مادةً لاصقةً وألصقت الشعرَ المستعارَ على رأسِ ابنتِها، دخلت "يارا" قاعةَ الفرحِ ضاحكةً مستبشرةً، وكأنها قطعةٌ من القمرِ تصولُ وتجولُ على مسرحِ العرس، إنها السرُّ الغامضُ في مجتمعٍ لا يمكنُلك أن تكشفَ عن إصابتِك بمرضِ السرطان خوفا من النظرةِ التي تصاحبُ ذلك.

بين زحمةِ الراقصاتِ على مسرحِ العرس، وتحت أنغامِ موسيقى صاخبة التف الجميعُ حول الطفلةِ الملاك وهي تتراقصُ وتتمايلُ بضفائرِ شعرهِا الناعمة، مصفقين ضحكين بقدرتها على الالتفافِ حول نفسِها، هي نفسها "يارا" المتعبة بتفاصيلِ العلاجِ الكيماوي، هي التي تنامُ وتصحوا على صوتِ الأطباءِ وأجهزةِ الإنذار في المستشفى، هي التي تراقبُ ساعات ِعمرِها تمضي بصمتٍ وهدوء، "يارا" العروسة التي ترقصُ فرحا ويتراقصُ قلبُ أمِّها خوفا من سقوطِ "الباروكة" على مسرحِ العرس، وفي ذروةِ الشعورِ بالفرحِ سقطت "الباروكة" عن رأسِ الطفلةِ "يارا"، ساد الصمتُ قاعةَ العرسِ، سقطت "الباروكة" ولم تسقطْ "يارا"، واستمرت في الرقصِ دون الاهتمامِ بما يدورُ حولها، لقد انكشفت حقيقةُ طفلةٍ عاشت أسعد لحظاتِ حياتِها، لقد انكشفَ هذا السر الغامض الذي لا تعرفُ عنه سوى أنها طفلةٌ تعيشُ ما بين الأجهزةِ الطبيةِ تتألمُ بمرارةٍ دون معرفةِ سبب ذلك.

"يارا" المشاكسة تعيشُ في عالمِ المجهولِ "هلوسات، أفكار، أحلام" إنه عالمُ الغيبوبةِ التي لا شعورَ فيها غير بالنومِ وجفونُك مستيقظة، ليست كئيبةً، تستمعُ بالحياةِ رغم ضغطها، ارتسم الوجعُ على ملامحِ وجهِها مع انتهاءِ وجبةِ "العلاج الكيماوي"، هي لا تعرفُ عن السرطانِ الكثير ولا يمثلُ لها حكما بالإعدامِ بل هي حالةٌ تتعايشُ معها لتستمرَّ الحياة.

اختارت "يارا" أن تواجهَ معركتَها ضد السرطانِ بالرقصِ وأن تحققَ الوصولَ إلي هدفِها وتركبَ سلمَّ الحياةِ دون النظرِ إلى رأسِها في المرآةِ كلَّ صباح، هي لا تنامُ إلا بعد أن تنتهي من دراسةِ قانون البكاء، بعد أن ترى دمعاتِ أمِّها كلَّ صباح، في قانون الأمهات أن شعرَ البنت جزءٌ لا يتجزأُ من جمالِها وحسنِ مظهرِها، ولكنْ في قانون "يارا" شعرُ رأسِها هو بمثابةِ حلمٍ رأته في غيبوبتِها الأخيرة، "تلك السلاسلُ التي ترتبطُ برأسِها وتمتدُ إلى باطنِ الأرض" لذا هي تخلصت من تلك السلاسلِ وانطلقت نحو فجرِ الحياة.

في بلادي مئاتُ العذابات تتعايشُ مع مرضِ السرطان، ذلك الصامتُ الذي يدخلُ إلى جسمِ الإنسان دون استئذانٍ، فلا مرحبا بك أيها الضيفُ البذيء، فأنت تقتلُ أحلامَ أطفالِ بلادي وتقهرُ كبيرَهم وتعذبُ صغيرَهم وتشتتُ شملَهم وتهدمُ بيتَهم وتفرقُهم عن بعضِهم  وتجعلُ منهم "حكاية" يرويها الرواةُ في مجالسِ النفاقِ والنميمة، رفقا بمرضى السرطان وذويهم.

صحفي فلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد