إسرائيل تتحسب من خلايا فلسطينية مسلحة مقابل تراجع العمليات الفردية
القدس / سوا / تعتبر أجهزة الأمن الإسرائيلية أن التراجع الحاصل في وتيرة العمليات الفردية التي ينفذها فلسطينيون، في إطار هبة شعبية، التي اندلعت مطلع تشرين الأول/أكتوبر العام 2015، يقابله حاليا محاولات فلسطينيين لتشكيل خلايا مسلحة محلية، هي الأخرى تفتقر لانتماء تنظيمي واضح لأي من المنظمات الفلسطينية. وأعضاء هذه الخلايا، وأفراد أحيانا، يبذلون جهدا أكبر الآن من أجل حيازة سلاح، والسلاح الأكثر رواجا هو البندقية الأوتوماتيكية المصنعة محليا من طراز "كارلو"، الذي ارتفع سعره في السوق السوداء في الضفة الغربية بأضعاف، على خلفية العمليات التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي من أجل العثور وهدم ورشات حدادة وخراطة لصنع هذا السلاح.
ووفقا لتقرير نشره المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، اليوم الأحد، في أعقاب عملية الطعن التي نفذها أول من أمس، الجمعة، جميل التميمي (57 عاما) من راس العامود في القدس المحتلة، فإن الأسباب التي تذكرها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لانخفاض حجم العمليات متعددة. وبين أبرز هذه الأسباب، "تحسين الجهوزية العملانية للجيش الإسرائيلي في الضفة والشرطة في القدس؛ تزايد الشعور بين الفلسطينيين بأن العمليات لم تحقق شيئا على المستوى السياسي، ولكنها كلفا ثمنا واضحا بحياة منفذيها؛ قرار السلطة الفلسطينية، وإن بتأخير عدة شهور، في تفعيل أجهزتها الأمنية من أجل تحذير واعتقال شبان من الضفة خططوا لتنفيذ عمليات؛ وتغيير في شكل رصد الاستخبارات الإسرائيلية الأحداث في الانترنت والشبكات الاجتماعية في الجانب الفلسطيني، يشكل يسمح برصد مسبق لمخربين (منفذي عمليات محتملين) أوشكوا على تنفيذ عملية".
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ، قد تحدث عن استخدام "بيغ داتا"، في إشارة، بحسب هرئيل، إلى مخزون معلومات هائل الحجم والتي يتم جمعها من مصادر مختلفة ومتنوعة في الانترنت وتساعد على إحباط عمليات. ولفت المحلل إلى أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) وشعبة الاستخبارات العسكرية وكذلك وحدة الاستخبارات في قيادة الجبهة الوسطى في الجيش، أجروا محاولات أولية من أجل استخلاص دروس من النشاط الفلسطيني في الشبكة العنكبوتية في العامين 2013 و2014، حيث طرأ حينها ارتفاع في عدد العمليات الفردية. وبحسب المحلل، فإن التمكن من إحباط عمليات كهذه تزايد في نهاية العام 2015، عندما تزايد التخوف في إسرائيل من أن هذه العمليات باتت موجة واسعة تغذي نفسها بنفسها.
وأضاف هرئيل أن تحقيقات وتحليلات أجرتها أجهزة الأمن الإسرائيلية أظهرت أن عمليات كثيرة أبقت وراءها إشارات مسبقة حول نية منفذيها. وفي إطار هذه التحقيقات، "نبشت" هذه الأجهزة في تفاصيل حياة "عشرات آلاف الفلسطينيين". واستخدم الاحتلال في هذا السياق وحدة التصنت 8200. وتبين لهذه الأجهزة الأمنية أن المصاعب الأساسية تكمن في التفريق بين التعبير، في التعليقات في الشبكات الاجتماعية، عن تعاطف وتماثل مع العمليات ومنفذيها وبين وجود نية لتنفيذ عملية. وقال هرئيل إن الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية طورا مفهوما وأسلوب عمل مشترك "حقق نتائج مثبتة".
وتابع هرئيل أنه وفقا لطريقة العمل هذه، جرى رصد قرابة 2200 فلسطيني كانوا في مراحل مختلفة في نيتهم لتنفيذ عملية، وغالبا كانت هذه عملية طعن أو دهس. وفي هذا السياق، اعتقل الجيش الإسرائيلي والشاباك أكثر من 400 فلسطيني، جرت محاكمة قسم منهم بينما سُجن القسم الآخر بصورة تعسفية في إطار الاعتقال الإداري، ومن دون توضيح نوعية الشبهات ضدهم ومن دون أن تنظر المحاكم في قضيتهم بصورة عميقة.
وأضاف هرئيل أن أجهزة الأمن الإسرائيلية سلمت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية أسماء قرابة 400 فلسطيني آخرين، الذين تم اعتقالهم فعلا، كما جرى تحذيرهم من تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية. وتلقى الباقون، وعائلاتهم أحيانا، تحذيرات من الشاباك وجيش الاحتلال، وسط تهديد بتعرضهم هم وعائلاتهم لأضرار وملاحقات.
تراجع مشروط
شدد هرئيل على أن التراجع في عمليات الفلسطينيين مشروط. إذ أن الاعتقاد السائد هو أن حدوث أزمة سياسية جديدة، أو مواجهة فلسطينية داخلية حول خلافة الرئيس محمود عباس ، أو حدث على خلفية دينية، من شأنها أن تشعل الوضع من جديد وبقوة أكبر. لكن هرئيل اعتبر أن التراجع الحالي يمكن اعتباره انجازا لرئيس الشاباك، نداف أرغمان، في عامه الأول في المنصب، خاصة وأنه أجرى إصلاحات في بنية الشاباك. .
ولفت هرئيل إلى أن الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية وقعا مؤخرا على اتفاق جديد للتعاون بينهما، يعيد تعريف تقسيم العمل بين الجهازين. وكان هذان الجهازان، بالإضافة إلى الموساد، قد وقعوا في الماضي على اتفاق، أطلق عليه اسم "ماغنا كارتا"، لتقاسم العمل والمناطق الجغرافية لكل واحد منهم، لكن هذا التقسيم الجغرافي لم يعد واقعيا، وفقا لهرئيل، الذي نقل عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن "المطلوب اليوم هو تنسيق بمستوى أعلى وتداخل بين أجهزة الاستخبارات المختلفة، في مجموعة كبيرة من المجالات. وإلى جانب ذلك، تم في السنوات الأخيرة توثيق التنسيق بين الشاباك وبين أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية الغربية، على ضوء المخاطر المشتركة على إسرائيل وهذه الدول، إلى جانب عمل الموساد وعلاقات ملحقي الاستخبارات العسكرية" في السفارات الإسرائيلية.