لم يعد أمام أهل قطاع غزة حديث سوى أزمة الكهرباء وتبعاتها، فلقد استغلت الجهات السياسية الكهرباء لجعلها مادة في فم الغزيين بين الفينة والأخرى، فتارة أخبار عن منحة مالية لتوفير وقود لمحطات توليد الكهرباء، وتارة أخرى توقف محطات توليد الكهرباء لنفاذ كميات الوقود.

فكيف أرادوا للشعب أن يلتهي عن قضايا الوطن الأساسية؟ من خلال خلق أزمات تمسُّ احتياجاتهم، إذ لجئوا إلى الكهرباء وأصبحت قضيتهم الأساسية، فانقطعت الكهرباء وانقطعت سبل الحياة معها تدريجياً، وبدأ المواطن يتكيف مع الانقطاع ويبحث عن حلولاً للتعامل معها بدلاً من الاحتجاج والمطالبة بوجود برنامج للكهرباء على مدار 24 ساعة ! والذي اعتبروه حُلما صعب المنال.

 هذا حال المواطن الغزي أصبح سعيداً عندما تأتيه الكهرباء ثماني ساعات فقط! وهى تتنافى كليةً مع الحياة الطبيعية التي يرنو إليها ابن القطاع، حيث أنه في الوقت الذي يفترض أن ينعم الانسان الطبيعي بأساسيات حياتية في قطاعنا الحبيب،  على مدار يوم كامل تخلى الغَزّي عن تلك الأساسيات، وأصبح راضيا خانعاً لأربع ساعات أو أٌقل من ذلك دون أي اعتراض أو تذمر، بل وأقنع نفسه بهذه الحالة واعتاد عليها.

ماذا حلّ بنا مع انقطاع الكهرباء

أصبحنا نعد الدقائق التي ننتظر فيها الكهرباء ونفكر ماذا سنفعل؟ ف ربة المنزل تنتظرها لكي تغسل وتكوي وتقوم بأعمال البيت التي تحتاج إلى كهرباء، والمستشفيات لا تستقبل مرضاها الا بوجود الكهرباء وكثيرٌ من الأحيان تُجرى عمليات جراحية  بدونها هذا في حال  توفرت مولدات صالحة للعمل في كثير من المستشفيات! أما المصانع، فحدث ولا حرج، حيث تراجعت عن العمل نتيجة لهذه الأزمة المدمرة التي سقطت على رؤوس أصحابها، مما ضاعف من قيمة المنتج بسبب كلفة المحروقات، ومع ذلك تدهور الحال الاقتصادي  بعمومه من إنتاج ومنتجات. ولم ينتهى الأمر بهذا فقط، فكل مجالات الحياة في غزة انهارت تدريجياً إلى أن وصلنا للنهاية.

ماذا بعد لم يحل بنا؟

حصارٌ منذ أكثرِ من 10 أعوام، وانقسامٌ سياسيٌ ووطنيٌ توالت عليه كلَ الأزمات، وحروب أنهكتنَا حتى النهاية ولازلنا نراها أمامنا ونقول "الحرب جاية جاية"، وفقر يفوق معدلات الفقر الطبيعية، وإحصائيات بطالة اخترقت كل الحدود، وحكومتان تُحَمِلُ إحداهما الأخرى المسؤولية، والشعب ضائعٌ بين "حانا ومانا"، وإن تكلّم تم قمعه بكل الوسائل المسموحة والممنوعة .. ثم ماذا بعد؟

ناهيكم عن هذا كله، الاحتجاجات التي خرجت وقُمعت كثيرة، وكثيرون الذين حرقتهم نيران الكهرباء سواء من خلال شورت كهربائي أو شمعة ذابت فاحترقت وأحرقت كل الذين معها، وآخرون استسلموا للحياة البائسة في غزة فتعايشوا معها، وأحرقوا أنفسهم بالكاز والبنزين معتقدين أنهم سيثيرون العيون السياسية عليهم، لكنهم فارقوا الحياة ولم يلتفت إليهم أحد .

ولعل كثيرون قبلي كتبوا وأكثروا في الكتابة، واستفاضوا عن أزمة الكهرباء، ولم يُعرهم أحداً اهتماماً، ومع ذلك لن يتوقف الكتاب ولا الصحفيون ولا الناشطون عن الكتابة، حتى وإن صار الجميع صماَ وعمياناَ، وسينتصر القلم للكهرباء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد