في أخر ساعة لها أحبت أن يشتري لها والدها بعض البسكويت والشوكلاته، أكلت من البسكويت شيئا قليلا، ولم يحالفها الحظ في فتح علبه الشوكلاته، فقد غلب عليها النعاس، وأرادت أن تنام، بحثت عن حضن أمها فلم تجدها، وجدت على أعتاب بيتهم جدتها، وضعتها في حضنها و"طبطبت" عليها، نامت نومه ليست بالعميقة، فزعت من نومها وخرجت لتلاقي مصيرها، وقفت على باب بيتها تنظر إلى السيارات المتحركة في الشارع، أمسكت باقي علبة الشوكلاته وأكل ما تبقى فيها، تحركت قدميها تجاه الشارع، كانت سيارة العريس محمد سائد المصري تسير بالقرب من باب منزل الطفلة نجوى محمد سلمان في شمال قطاع غزة ، انزلقت إقدام الطفلة لتقع تحت إطارات السيارة، السائق استمر بالطريق ولم يلتفت انه أصاب الطفلة، والدها كان قريب من حادثة الدهس ، حمل ابنته وانطلق بها مسرعا إلى أحد المستشفيات القريبة، لتفارق الحياة هناك.

غضب والد نجوى كثيرا على فراق ابنته الصغيرة المدللة "أخر العنقود"، كانت تحب كل شيء وكأنها تودع الحياة، لم يحرمها والدها من شيء طيلة الثلاث سنوات التي انقضت من عمرها، اليوم هي في كفن أبيض أمام عينيه تبتسم له وتودعه الوداع الأخير، ما أن جلس مع نفسه لحظات بعد أن فارقت ابنته الحياة ، إلا وتذكر السيارة التي مرت من فوق جسدها، وتعرف على السائق وقال لن ادفن ابنتي حتى اكتب ورقة المصالحة وسأتنازل عن حقي واني احتسبتها عند الله، الغريب أن السائق سائد المصري كان يحضر نفسه للزواج فقد تمت عمليه الدعس في ليلة زفافه،

عائلة الطفلة قدمت أوراق العفو عن السائق العريس حتى لا تكسر فرحته ، في حين أنهم أقاموا بيت العزاء بدلا من بيت الفرح، ودعا والد الطفلة أهل العريس لإكمال فرحهم قائلا  لهم " إن زوجتي حامل وستنجب لنا طفلة جديدة خلال أشهر" ولأن الحزن لن يعيد ابنتي. أكملوا فرحكم فنحن أبناء شعب واحد.

هذه نتيجة واحدة من نتائج حوادث الطرق في قطاع غزة، فهناك امتداد اجتماعي أصيل داخل المجتمع الفلسطيني وما يميزه من صفات التسامح والعفو عند المقدرة وعدم أخد العوض وعدم قبول الدية في مواقف كثيرة، حيث تنشط لجان الإصلاح ورجال المجتمع المدني والمحلي الذين يعملون ليل نهار من اجل إضفاء معالم التسامح والرضا بين العائلات الفلسطينية التي تقع ضحية حوادث الطرق وخاصة التي تؤدي إلي حالات الوفاة، فواقع المجتمع الفلسطيني السمح وارتباط الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة بالكثير من العائلات والأسر الفلسطينية وامتدادا للتربية الدينية والعقائدية السليمة داخل المجتمع ساهمت بشكل كبير في قبول القضاء والقدر وحكمة الله من وراء ذلك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد