حدثني أحدُ الموظفين في قسم الإعلام في إحدى المؤسسات الصحافية، تمكَّن من الإمساك بزمام الإشراف على تحرير الأخبار، والأنشطة الصحافية، وأصبح مسؤولاً عن نشرة صحافية شعبية، على الرغم من أن خبراتِه الصحافية، وقدراته العقلية والثقافية، أقلّ بكثير من حجم المنصب الممنوح له، المنصب الذي حصل عليه بحكم الولاء والتبعية الحزبية، ظنَّ هذا الموظف أن مقياس الصحافة، يكون بعدد موظفيه، وإمكاناته المالية، ورفعة درجته الوظيفية، قال: «أصدرتُ تعليماتي لكل الصحافيين العاملين معي، كي يمتنعوا عن استضافة، الدكتور، المحلل السياسي، والمفكر الكبير (عقابا)! لأنه ظنَّ أنه أكبر من وسيلة إعلامنا، فقد رفضَ عدة مرات (المثول) أمام الكاميرا التي أرسلها له، مدَّعيا انشغاله، كما أنه لا يلتزم في تحليلاته بآرائنا، فهو يُستضَافُ في إعلام خصومنا، يظنَّ أنه نابغة زمانه، فما أكثرَ الراغبين في عدساتنا، الطامحين في صورنا! نحن نصنع المشهورين، فهو لا يستحق أن يكون (نجماً) لعدستنا. فعلتُ الشيءَ نفسَه في الموقع الصحافي الذي أُديره، فقد أسقطنا مقالاتِه وتحليلاته من الموقع!
ظنَّ محدثي أنَّني سأنسجم مع فعلته، وأشجعه على معتقده، وظنَّ أنني أكرهُ المُدَّعى عليه، من منطلق المنافسة غير الشريفة.
هكذا ظنَّ هذا الموظَّفُ (الإعلامي) أنَّهُ عاقبَ هذا الكاتبَ والمفكر، بإغفاله من الوسائل الإعلامية، التي يُديرها! 
هذا مَرضٌ ناجمٌ عن نقصٍ في الثقافة الصحافية، هو أيضا من أعراض مرض الإحباط المتقدم المتفشي بيننا، بسبب جهالة كثيرين من الإعلاميين في وطننا، ممن ظنوا أنَّ إقصاء المفكرين عن الإعلام يشفي نفوسَهم المريضة، وهو بالتأكيد مِن أعراضِ حُمَّى (الحزبية الإعلامية) السائدة في الإعلام الفلسطيني.
إنَّ ما يفعله هؤلاء هو جريمة كاملة في حق الإعلام، جريمةٌ يرتكبها ناقصو الثقافة والفكر، حين يفرضون مِزاجهم الشخصي الحزبي على وسائل الإعلام، فهم بهذه الأفعال الانتقامية يصبحون أعداءً للثقافة والوعي!
كان يجبُ على هذا المخرب الإعلامي أن يدرك أبسط قواعد الإعلام، وهي أن المفكر، المُغفل، المُنتَقَم منه، متطوعٌ، يستحقٌّ التقديرَ والاحترام، كان يجبُ أن تُنشرَ أفكارُه لإثراء الوعي، لا، الاستبعاد!
وكان واجبا عليه، لو كان إعلامياً واعياً مثقفاً، أن يجد آليةً لاجتذاب هذا المفكر إلى وسيلة الإعلام، فالإعلامي الواعي لجوهر رسالته يعمل في الحقيقة غوَّاصاً، يبحث عن جواهرِ العقول، ولآلئ الوعي، ودررِ الإبداع، ولا يتحول إلى مريضٍ نفسيٍّ انتقامي، فمَن يمنع مفكرا مبدعا عن نشر إبداعاتِه، مجرمٌ في حقِّ الثقافة والوعي! 
إن خطر هؤلاءِ (الفيروسات الإعلامية) على الوعي الوطني، تتوافقُ مع خطر فيروسات الاحتلال.
إنَّ هؤلاءِ المرضى يُشبهون الناشرين، وأصحاب المطابع، ودور النشر والتوزيع، وأصحاب المكتبات الجاهلين، ممن يطبعون كتب الخرافات والأباطيل، ينشرون الجهالات، ويبيعون أقاصيص السحر والشعوذة، ينشرونها بين العوام.
مَن يستبعِدْ المبدعين والمفكرين يُشجِّعْ في الوقتِ نفسِهِ دعاةَ التغرير، ومتفيهقي الدين، ناشري الجهالات، يُفسح لهم الطريق، لنشر الجهالة! 
فالمحتلون يسعَون إلى تجهيلنا، ليُعزِّزوا دعايتهم القائلة: «إن الفلسطينيين جاهلون، غير ديموقراطيين، لا يستحقون (أرض الميعاد)». 
لذا، فإنَّ الصحافيين الجاهلين، في عصر الألفية الإعلامية، ليسوا مفسدين للإعلام فقط، بل، هم ثقوبٌ في نسيجِ ثقافتنا!         

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد