اليوم، ستقوم لجنة الانتخابات المركزية بنشر القوائم الانتخابية المقدمة لانتخابات مجالس الحكم المحلي، ومن المفترض أن يشارك في الانتخابات ثلاثمائة وواحدة وتسعون هيئة محلية جميعها في الضفة الغربية، بسبب مقاطعة حركة حماس الانتخابات.. وفرضها المقاطعة على المواطنين في قطاع غزة ، بقوة الأمر الواقع!
المؤشرات العامة تشير إلى فتور طاغٍ يسيطر على المشهد الانتخابي، فتور التعاطي والتفاعل، برود الحراك المرافق عادة للترشيح. لو أجرينا مقارنة بين: الاهتمام والتفاعل مع انتخابات محلية ذات وظيفة خدماتية تخصصية، بإطار وطني، وثيقة الارتباط بحياة المجتمع ويومياته، باعتبارها بُنى لا يُستغنى عن خدماتها والعلاقة بها، وبين حجم الاهتمام بانتخاب مجلس طلبة في جامعة ما أو ناد رياضي، سنجد أن الاهتمام والتفاعل ليس في صالح انتخابات الهيئات المحلية. عزوف ومراقبة عن بعد. 
المعلومات تشير؛ إلى ارتفاع عدد قوائم التزكية عن مثيلتها المقدمة في العام 2016 لتصل إلى نصف عدد المجالس تقريباً. لا أطعن في شرعية قوائم التوافق والتزكية، لكن إشكاليتها في عدم قدرتها على تعويض حالات الاستقالة، إنها باتت ظاهرة، الأمر الذي يخلُّ بنصاب المجالس المستقيلة، اللجوء إلى سياسة التعيين يصبح أمر مفروغاً منه، عدا تكريسها ظاهرة العزوف عن الانتخاب والترشح من جهة، وتعزز وتخدم رؤية وسياسة العائلة والعشائر وتوفقاتها، وتلجم تطلعات أبناء وبنات العائلات الصغيرة، من جهة أخرى.  
لم تسهم مقاطعة الانتخابات نوعياً في رفع قوائم التزكية والعزوف، فالمجريات تشير إلى مشاركة فصائل مقاطعة بقوائم الترشح العائلات، ارتفع عدد قوائم التزكية ما بين، 2016 و2017، عشر قوائم. برأيي أن تصريحات مُسقطة من بعض المسؤولين حول انعكاسات مفترضة للانتخابات في زعزعة السِلم الأهلي، دعوة صريحة بقصد إلغاء الانتخابات والعودة لسياسة التعيين.
تشير الوقائع إلى أن ميكانيزمات التراجع تتوسع باطراد بسبب الفراغ المتروك لها، تسرح وتمرح كما شاء لها هوى القوى الرجعية، بسبب الإنكار والنكوص والتجزئة وعدم الاكتراث وفقد السيطرة، غياب السياسات الاعتراضية الكابحة جماح التقهقر الاجتماعي. فالحركة الوطنية وفصائلها في حالة إعياء وضعف، تلتحق وتتكيف باطراد مع الثقافة التقليدية وأنماطها العشائرية.
لقد تم رصد عديد المواقف حول استمرار: التعسف ضد المرشحات، استعلاء وترفع ذكوري استعلائي على النساء، استبعاد الدور وإغلاق الباب بوجه مشاركتهن الطبيعية، حتى في تسمية مرشحات تعتبر في دائرة مهامهن ومسؤولياتهن، الالتفات إلى إدراج النساء ضمن منهجية وتوجهات عائلية عشائرية، فالبدايات تتحكم دائما في النهايات. 
مثال على المساومات الجارية بين متعهدي تشكيل القوائم في جميع المواقع. من يحظى بمنصب الرئيس أو الأكثرية العددية، يُعاقَب بحمل النساء من حصته، لسان حالهم، مقابل الظفر بحسنة الرئيس قبول مساوئ القانون، حَمْل واحتمال «كوتا» المرأة. هل هناك أكثر من هكذا عروض هابطة، صفقات تتم من خلف ظهر النساء!
نشر القوائم، ذوبان الثلج يظهر ما تحته من مرج، الولوج إلى جوْف القوائم وأسرارها، توفُّر الكفاءة المهنية في أعضائها وعضواتها، استمرار ظاهرة تحكم العائلة وفرض رؤيتها وحساباتها على التشكيل، المرأة من حيث انخراطها ومشاركتها في عملية التشكيل ونسبة حضورها وترتيبها في القوائم. 
خلال الفترة الممنوحة لترشيح القوائم صدر موقفان: عن منتدى النوع الاجتماعي في الحكم المحلي؛ توجيه رسالة للقوى السياسية تحت عنوان «لم يفت الأوان بعد»، مطالباً ومذكراً الفصائل بتعهداتها للنساء، في تحسين النسبة والترتيب بانتظار فتح القانون للتعديل. وبيان عن «ائتلاف إرادة»، يدعو الرأي العام إلى انتخاب القوائم المميَّزة بمهنيتها وعدد وترتيب النساء فيها. 
المواقف المشار إليها تعبّر عن وصول سيْل المواقف المضادة الزبى، ووصول النساء إلى حالة لم تعد تتحمل تراجع وتآكل الموقف الاجتماعي من المرأة، وتحذر من تقهقر الأحزاب وانحرافها عن مبادئ؛ صنعت مجدها وهويتها.    
في التبرير الذي تسوقه الأحزاب، يتذرعون: أن مشاركة النساء عبر «الكوتا»، أن التجربة لا زالت في طورها الجنيني، للحكم على مفاعيلها بثقة ودقة، تجاهل انهم من يحكم عليها البقاء كحالة جنينية! يمنعون الخطوة الأولى نحو قطع مسافة الألف ميل. لا يلاحظون أن الحالة الجنينية افتتحت المشاركة المحلية بتَبوء أربع سيدات في العام 2005 رئاسة هيئات محلية مسجلة نجاحات قوية.
ما الذي يمكن أن أقدمه لإعادة الأمور الى مسارها في هذه المرحلة: استراتيجية كشف مستور التعامل المُسِف مع النساء، سياسة وأداء مختلف مع الأحزاب. مطلوب دفعات نوعية تحقق العدالة وتكسر النمط والفجوة، مواجهة وتعرية المواقف المهادنة والمساومة على حقوق النساء لصالح الرجل في قطاع الحكم المحلي، بما يخص المشاركة السياسية، في صناعة القرار.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد