يبدو أن معركة كسر العظم بين الرئيس محمود عباس وسلطته في رام الله وحركة حماس انطلقت فعلياً وبصورة حقيقية بقيام حكومة الدكتور رامي الحمدلله في رام الله بخصم 30 بالمائة من رواتب الموظفين العسكريين والمدنيين التابعين لها في قطاع غزة والبالغ عددهم أكثر من 40ألف موظف. وهو ما اعتبره المحللون الخطوة القاصمة نحو إحالة جميع موظفي غزة إلى التقاعد القسري. ويبدو أن هذه المعركة التي كانت تمشي ببطء وعلى استحياء منذ حالة الانقسام التي شهدتها الأراضي الفلسطينية وأدت إلى سيطرة حماس على قطاع غزة بدأت تفصح عن وجهها القبيح وبات من المؤكد أنها ستتمخض عن نتائج كارثية سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي أو السلم الداخلي خصوصاً إذا نفذ الرئيس عباس تهديداته كاملة وقام بإجراءات وصفت من قبل بعض رموز السلطة في رام الله بغير المسبوقة ومنها نفض يد السلطة في رام الله عن غزة بشكل تام.

أما عن الأسباب التي حدت بالرئيس عباس لاتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت بالذات فيعتقد الكثير من المتابعين للشأن الفلسطيني الداخلي أن قيام حركة حماس مؤخراً بتشكيل لجنة إدارية عليا لإدارة القطاع والتنصل من حكومة الوفاق الوطني كان بمثابة المسمار الغليظة والضربة القاضية التي دقت وض ضربت في نعش محولات إنهاء الانقسام وهي الخطوة التي أغضبت الرئيس عباس بشدة وجعلته يعجل بإجراءات إحالة عشرات الآلاف من الموظفين في القطاع إلى التقاعد القسري. على اعتبار أن هذه الخطوة تعتبر بمثابة الرد الطبيعي على سلوك حماس الجانح (من منظور الرئيس عباس وسلطته في رام الله).

البعض الآخر يعتقد أن الرئيس عباس يرى أن هناك تحالفاً بين حماس وعدوه اللدود محمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح لتقويض سلطته وسحب بساط علاقاته مع مصر وتقويضها، وأن حماس تدعم سراً وعلانية محاولات دحلان استقطاب الشارع الفلسطيني بكافة شرائحه من خلال استجلاب كافة ممثلي التيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنقابية والعائلية لمؤتمرات عين السخنة التي تعقد برعاية مصرية. هو أحد الأسباب الرئيسية التي حدت بالرئيس عباس لاتخاذ قرار تقليص الرواتب وعزمه القيام بالمزيد من الخطوات التأديبية التي يسعى من خلالها لإيقاف مخطط حماس دحلان ضده. وهناك من عزا قرار الرئيس عباس بقرار الاتحاد الأوربي بالتوقف عن تمويل دفع رواتب الموظفين في قطاع غزة، وعزمها تحويل أموال الرواتب إلى قطاع تمويل المشاريع التطويرية.

السؤال الذي يطرح نفسه وبشده: ما هي النتائج التي سيتمخض عنها هذا القرار والقرارات الأخرى التي يلوح باتخاذها الرئيس عباس قادماً ؟! قبل التوغل للإجابة على هذا السؤال علينا أن نذكر أن أكثر من60 بالمائة من سكان قطاع غزة يعيشون حالياً تحت خط الفقر ويعانون من ظروف معيشية بالغة الخطورة وأن وجود فئة موظفي سلطة رام الله أي الذين يتبعون الرئيس عباس وعددهم يربو على 40 ألف موظف عسكري ومدني، ووجود أكثر من 43 ألف موظف يتبعون سلطة حماس يشكلون العامود الفقري الوحيد تقريباً لمصدر الدخل في قطاع غزة المكدس بما يزيد على مليوني مواطن في بقعة محاصرة منذ أحد عشر عاماً بشكل تام وشامل وكامل في بقعة ضيقة لا تزيد مساحتها عن365 كلم. والمحرك الاقتصادي المتبقي في القطاع. إذن فالمساس بهذه الفئة سيشكل ضربة قاصمة للمنظومة الاقتصادية في القطاع وسيؤدي إلى تدهور اقتصادي خطير ستكون له انعكاسات اجتماعية غاية في الخطورة والتعقيد، فاليوم غزة وبدون هذه الخطوات تعاني وتعاني من الكثير والكثير من المشاكل والمصائب من حصار وانقسام وتشرذم وجريمة وأمراض وبطالة وتفكك، بالإضافة إلى الممارسات الإسرائيلية والحروب الثلاث التي شنت على غزة في غضون ست سنوات وما تمخضت عنه من مشاكل عويصة لا حلول منظورة لها لا يزال القطاع وسكانه يعيشون تحت وطئتها حتى اليوم.

إن تقليص رواتب موظفي السلطة القاطنين في قطاع غزة بواقع الثلث من شأنه زيادة أوضاع القطاع مأساوية وتعقيداً وسيؤدي فعليا إلى زيادة عمق الانقسام والقضاء على كل الآفاق والآمال للخروج من نفقه المظلم ، كما أن هذه الخطوة التي تتم بحق موظفي غزة دون سواهم من موظفي الضفة الغربية ستؤدي إلى تعميق الانفصال بين شطري الوطن وكأن السلطة الفلسطينية تريد نفض يدها من قطاع غزة والتسليم بأنها سلطة رام الله فقط، وهو ما يعني السير في طريق تدمير ما تبقى من القضية الفلسطينية وإحداث شرخ هائل بين شطري ما تبقى من فلسطين وضياعهما معا في مواجهة الخطط الصهيونية الرامية لطمس القضية الفلسطينية وانهاء كل الآمال بدولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة و القدس .

إن الخطوات القادمة التي ستقدم عليها سلطة رام الله بخصوص قطاع غزة ستكون تأكيداً أو نفياً لإرهاصات وتخوفات طبقة السياسيين والمثقفين في الأراضي الفلسطينية بأن هناك طبخة سياسية بمشاركات فلسطينية وإقليمية ودولية بمعية أمريكية وصهيونية تسعى لفرض الحل الملائم للقضية الفلسطينية بمنظور صهيو- أمريكي وليس من منظور فلسطيني، لذلك فالأيام القادمة حبلى بمفاجآت كبيرة وخطيرة ليتها تتوقف عند تقليص رواتب الموظفين وإحالتهم للتقاعد.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد