حقق الأردن جل ما يريده، ونال ما كان يتطلع إليه، وأنجز في الوقت ذاته أهدافه الوطنية والقومية باستضافة القمة العربية على أرضه، بإدارته البارعة، ورئاسته لها. 
أولاً : أثبت أن لديه إدارة راشدة وحكمة بالغة وأمناً مثيراً للاعتزاز، تفوق به على نقسه، وفدم مشهداً اردنياً في ابهى صورة ممكنة، سواء اكان ذلك على مستوى رأس الدولة، الذي أدار القمة باقتدار، او كان على مستوى الفريق السياسي المهني، الذي عمل معه بكفاءة عالية، على نحو يبعث على الاعتزاز، بما لدى الاردن من قدرات وطاقة وتنوع وإدارة . 
ثانياً: ما قدمه على المستوى الوطني، حيث أراد الاردن من خلال هذا الاداء الراقي أن يحظى بأقصى قدر من الاحترام والتقدير الأخوي، لعل ذلك ينعكس على علاقاته الثنائية مع من يملكون الإمكانات المالية والقدرة على الوفاء بما لديهم من تغطية احتياجاته الضرورية الحيوية، لمواجهة ما نعانيه من عجز ومديونية وفقر وتدن في الخدمات، وهي أحد أسباب المأزق الذي نعاني منه، وعلة ما أدى ويؤدي إلى مظاهر خطرة، بما في ذلك شيوع التطرف السياسي واستغلاله من قبل تنظيمات إسلامية عابرة للحدود، دمرت نفسها وشعوبها، ولا تملك الحد الأدنى من الحرمات كي تردع عن فعل أقصى ما تستطيع من خراب ودمار وقتل.
  وإذا كان الأردن قد صمد بفعل قدراته الأمنية، والتفاف القطاع الأوسع من شعبه حول نظامه السياسي في وجه أكبر عوامل عنف واضطراب محيطة به، على نحو ما عصفت بسورية وليبيا واليمن والعراق ومن قبلهم بالصومال، فإن هذه الحصيلة لا تعني أن يبقى ذلك يومياً، ومستمراً مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية التي تواجه الأردنيين. 
ثالثاً: فعل الأردن قبل القمة وخلال سنوات الربيع العربي العجاف، كل ما يستطيع للنأي بنفسه عن الحروب البينية، وأن لا يتورط في أي منها، وأن لا تصل آثارها إلى ما لا يستطيع مواجهته، ونجح في ذلك، رغم تدفقات الهجرة إلى أرضه وعلى حساب شعبه وإمكاناته المتواضعة، ولكنه صد نيرانها وأحبط عشرات محاولات التسلل إلى أراضيه، وعجزت القاعدة وداعش عن استغلال خلاياها الكامنة في تنفيذ مخططاتها. 
نجح الأردن في أن يقدم نفسه نموذجاً للنجاح في وجه قوى التطرف السياسي الإسلامي على مختلف توجهاتها، وقدم نقيضاً لذلك، بدعوات التوصل إلى حلول سياسية للصراعات البينية القائمة، وانعكس ذلك على بيان القمة الذي بيّن وعي الأردن وفهمه لضرورة إنهاء العنف والصراع الدموي في سورية والعراق واليمن وليبيا، مستفيداً من فشل الأطراف جميعها في تحقيق مآربها السياسية عبر الخيار المسلح الذي خلق القتل والدمار والخراب. 
لقد سعى الأردن إلى إرساء ثقافة الشراكة والقواسم المشتركة والحلول السياسية وتعميم لغة الحوار على المستوى القومي، ونظرياً أشاع ذلك وأفلح في تحقيقه، ونجحت فلسفته ورؤيته ورغبته في ذلك، كما حصل في قرارات القمة وبيانها الجماعي المشترك. 
ولكن لا أحد في الأردن يتوهم أن ما أداه ورغب به البلد سيكون هو الأعلى فهماً والأعمق إنجازاً، نظراً لتوفر ثلاثة عوامل خارجة عن إرادته، أولها أن قوى التطرف ما زالت موجودة وفاعلة وقابلة للتسلل وتعميم أذاها وتفجيراتها وانتقال خلاياها ما بين هذا البلد أو ذاك، وثانيها أن قوى ودولاً معادية لن تتوقف عن مؤامراتها ومخططاتها في مواصلة تدمير العرب ووحدتهم وأمنهم، وثالثها توفر فهم الحل الأمني في عقلية أصحاب القرار ومؤسساته لدى أغلبية أطراف النظام العربي، وعدم استعداد المتسلطين لتوسيع قاعدة الشراكة، وقبول التعددية، والخيار الديمقراطي وتداول السلطة، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، رغم أنها المرة الأولى التي تظهر فيها هذه المفردات في بيان رسمي للقمة العربية. 
لقد فشل النظام العربي طوال عشرات السنين في معالجة أزمات ومشاكل كادت تكون مستعصية وغدت جزءاً من الأمراض الكامنة بين مساماته، فقد فشل في ردع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي واستعادة الشعب العربي الفلسطيني حقوقه المشروعة على أرضه، وفشل في معالجة قضية الصحراء بين المغرب والجزائر، والإخفاق في وضع حلول للصراع في الصومال، وعدم التوصل إلى تفاهمات وعلاقات حسن الجوار مع ثلاثة بلدان وقوميات كبيرة محيطة به هي تركيا وإيران وأثيوبيا، تصطدم مصالحها مع المصالح العربية وتؤثر فينا وعلينا، مثلما فشل في تعميم فائدة الثروة النفطية الخليجية، عبر ليس فقط تقديم المساعدات المالية لبعض البلدان العربية كما تفعل نسبياً عند الحاجة، ولكنها لم تعط الأولوية للمواطن العربي، لمواطني بلدان الفقر العربي، الأولوية في العمل في أسواق بلدان الخليج، فالعمالة الآسيوية مع الأسف لها الأولوية في العمل على حساب العرب لدى الشركات والمؤسسات الخليجية، كما أن استثماراتها المالية في بلدان أوروبا وأميركا لها الأولوية على حساب استثماراتها في البلدان العربية وهي بالقروش مقارنة بالمليارات في خزائن البنوك الأميركية والأوروبية . 
ولهذا لا نتوهم أننا سنفعل ما لا نستطيع فعله، لأننا لسنا في موقع صنع القرار العربي، ولكن أثبت الأردن أن لديه رؤية متوازنة يحتاجها العرب أو أغلبيتهم، وأننا قادرون على التوصل الى تقديم أرضية صالحة لتتم المصالحة بحضنها، فمن أهم اللقاءات التي تمت هي لقاء القمة الثنائي المصري السعودي، ولقاء القمة الثلاثي الأردني المصري الفلسطيني. 
لقد حقق الأردن وأنجز ما يريد، وكان هو الكاسب الأول، وكانت فلسطين حاضرة وأخذت مكانتها التي تستحق، فالتطرف الإسرائيلي وعقلية قيادة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي لم تتردد في نسف كل الرهانات العربية على التوصل إلى أي تسوية، وهو ما سوف يحصل حتى في ظل إدارة ترامب المتطرفة في انحيازاتها لليمين المتطرف الذي يقود المشروع الاستعماري الإسرائيلي وتتحكم في إدارته وسياساته العنصرية التوسعية، ووصف الأبارتايد الذي وصفه تقرير الاوسكوا والذي كتبه اليهودي الجنوب إفريقي ريتشارد فولك، وهو مع الأسف لم يتطرق له بيان القمة العربية، الذي كان من المفترض أن يستضيف وأن يكافئ ريما خلف معنوياً بدعوتها وحضورها وفريقها كشاهد أمام العالم في القمة العربية .

h.faraneh@yahoo.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد