الكبت يتراكم لدى طلبة المدارس بغزة لهذا السبب !!
غزة /خاص سوا/إيهاب أبو دياب/ أقل من 30 دقيقة أمام طلبة المدارس في قطاع غزة، كي يفرغوا جزءًا من الكبت الذي استوطن داخلهم ، بفعلِ الحروب الإسرائيلية الثلاثة، والحصار المُستمر في عامه الحادي عشر.
الطالب خالد أحمد، بمجرد دخوله باب منزله الخشبي عقب عودته من المدرسة، يقذف حقيبته المُدججة بالكتب بعيداً، مُتجها صوب والده وبأعلى صوته "لن أذهب إلى المدرسة، لا أُحبها".
مشهدٌ اعتاد عليه والد الطفل خالد ذي الست سنوات والذي يعمل معلماً في إحدى المدارس الحكومية بغزة، منذ صعود ابنه للدراسة بالمرحلة الابتدائية، لكنه سرعان ما تمكن من الوصول إلى تفسير يراه منطقياً لتصرفات ابنه بحُكم خبرته في التعامل مع الأطفال، يُحدثنا والده.
غياب الترفيه
ويعتقد المدرس أحمد أن السبب يعود إلى أن حياة الأطفال قبل بلوغهم سن الدراسة تتسم بالترفيه والمرح فقط، لكن هذا الأمر يتقلص بشكلٍ واضح عند التحاقهم بالمدارس الابتدائية، ما يشعرهم بنقص في شيء ما.
ويرى أيضاً أن ضعف النشاط الحركي للطلبة في المدارس، إلى جانب ما واجهوه في حياتهم من ويلات وحروب؛ جعل طبقات الكبت تتراكم في نفوسهم.
أرقام صادمة
ويخلو الجدول الدراسي للصفوف من الأول حتى الرابع من أي حصة بمسمى تربية رياضية، فيما يُخصص لطلبة الصفين الخامس والسادس حصتين أسبوعياً، وواحدة فقط للصفوف من السابع حتى العاشر، بحسب رائد أبو شنب الذي يعمل معلماً لحصة الرياضة في مدرسة النيل الحكومية بمدينة غزة.
وتبلُغ مدة حصة التربية الرياضية في مدارس الحكومة ووكالة الغوث 45 دقيقة في فصل الصيف و40 دقيقة في الشتاء.
وكان يُخصص لصفوف المرحلتين الإعدادية والثانوية قبل عام 2006 حصتين أسبوعياً للتربية الرياضة، على غرار الحصص الترفيهية الأخرى التي لم تعُدّ موجودة حالياً، وفقا لأبو شنب.
ويرى المُعلِم أن حصة واحدة أسبوعياً لا تكفي للطلبة الإعداديين والثانويين، مشيراً إلى مدى النشاط الذي يظهر في نفوسهم قبل وبعد الحصة الرياضية.
كما اتفق أحد مدرسي التربية الرياضية في مدرسة تتبع لوكالة الغوث مع سابقه في أرقامه التي ذكرها كافة، موضحاً أن مدة الحصة الرياضية "عملياً" لا تتجاوز 30 دقيقة فقط.
وتستغرق عملية إخراج الطلبة من فصولهم مع بداية الحصة 5 دقائق ومثلها لتبديل ملابسهم المدرسية بتلك المُخصصة للهو، وأخرى لإعادتهم إلى الفصول، ما يعني انتقاص 15 دقيقة من المُدة المُخصصة للحصة، بحسب المُدرس الذي فضّل عدم ذكر اسمه كون قوانين " الأونروا " لا تخوله بالظهور إعلامياً.
ونبه المُدرس إلى البناء العمراني الهائل الذي طال المدارس كافة، وما نتج عنه من تقليص لمساحة الأماكن المُخصصة لممارسة الألعاب الرياضية، مُشيراً إلى أنه بات مُرغماً على استغلال مساحة صغيرة من المدرسة؛ لاحتواء جميع الطلبة خلال دقائق معدودة.
الوزارة تُقر ولكن
من جانبها، أقرت دائرة الأنشطة الرياضية في وزارة التربية والتعليم بغزة بأن عدد الحصص الرياضية المُخصصة لطلبة المدارس الأساسية والثانوية، غير كافية، مؤكدةً بذلها جهوداً حثيثة من أجل تطوير النشاط الـلامنهجي في المدارس التابعة لمديرياتها السبع بالقطاع.
وقال يُسري الغول مُدير الدائرة إن "الزيادة السكانية الكبيرة في القطاع، وما نتج عنها من تكدسٍ للطلبة في المدرسة والفصل الواحد، أثرت بالسلب على النشاط الـلامنهجي".
وأوضح أن وزارته تعمل على بناء مدارس جديدة من أجل التغلب على مشكلة كثافة الطلبة، معتبراً أن هذا الأمر سينعكس بالإيجاب على زمن النشاط الرياضي.
وعن سُبُلِ حل مشاكل الرياضة المدرسية وتطويرها، شدد الغول على ضرورة توظيف معلمي تربية رياضية جُدد، منوها إلى تجميد التوظيف منذ قرابة العشر سنوات، مؤكداً في الوقت ذاته ضرورة إنشاء ملاعب مُعشبة كبيرة تكون خاصة بالمدارس.
آثار كارثية
من جهته، حذّر درداح الشاعر دكتور علم النفس، من الآثار السلبية التي قد تنجُم عن إهمال الجانب الحركي لدى الطلبة، مشدداً على ضرورة أن تقوم عملية التربية على الإشباع المتوازن لجميع الجوانب المُكونة لشخصيته.
وأكد الشاعر أهمية النشاط الانفعالي للأطفال والمراهقين، منبهاً إلى أن الذاكرة لا يُمكنها العمل بفاعلية في الجسد الكسول والعاجز.
ويرى ضرورة أن تكون حصة التربية الرياضية بالمدارس، من الأنشطة الأصيلة في المنهاج التربوي؛ نظراً لدورها الهام في تفريغ الطاقات السلبية لدى الطلبة، ما ينعكس بالإيجاب على تحصيلهم العلمي.
وتساءل دُكتور علم النفس: "إن لم يجِد الطالب نشاطاً رياضياً يُمارسه، أين سيُفرِغ طاقته الحركية؟"، مبيناً أنه في هذه الحالة سيُخرج طاقاته في الاعتداء على زملائه أو السرقة وربما بعض الأعمال الضارة بالمُجتمع.