في العام 1987، وبالتحديد في الثامن من تشرين الثاني، من ذلك العام، عقدت الجامعة العربية مؤتمرا غير عادي للقمة، حضرته عشرون دولة عربية إضافة إلى م ت ف، وكانت مصر غائبة عن القمة، بسبب اتفاقيات كامب ديفيد، وكان شعار تلك القمة : قمة الوفاق والاتفاق، لأن العرب في ذلك الوقت، كانوا من غير مصر، كما لو كانوا جسدا من دون رأس، كذلك سعوا في تلك القمة إلى التوصل إلى موقف موحد، يواجهون به إيران التي كانت في ذلك العام تخوض حربا ضروسا ضد العراق .
ورغم أن قمتين أخريين عقدتا في العاصمة الأردنية، غير قمة الوفاق والاتفاق، واحدة سبقتها وعقدت عام 1980، والثانية تلتها، وكانت عام 2001، إلا أن الظروف التي ينعقد مؤتمر القمة العادي، هذا العام، في ظلها، تشبه إلى حد بعيد تلك الظروف التي كانت تحيط بالعرب عام 1987، حيث تغيب سورية عن هذه القمة، بسبب الاختلاف على مقعدها، بين نظام لم يعد احد من العرب الرسميين يرغب فيه أو حتى يطيقه، وبين معارضة، لم تنجح بعد في إسقاط النظام، ولا في إحكام السيطرة على البلاد، فضلا عن عدم توحدها هي نفسها، وسورية لا تقل عن مصر في مكانتها بين العرب كثيرا، فإذا كانت مصر تمثل رأس العرب فان سورية هي قلبهم النابض بالحياة والثورة.
كذلك فإن انعقاد هذه القمة يجيء على وقع التوجس العربي مجددا تجاه إيران، التي بعد أن "عقدت" تحالفا غير مقدس مع الولايات المتحدة في العراق، تمد أصابعها بالاتجاه المعاكس، هذه المرة في سورية، والأخطر، أنها تدخل انفها في أكثر من مكان عربي، بعد أن شجعها النجاح في إسقاط صدام حسين، وتشكيل نظام حليف لها، إن لم يكن عميلا تماما لها، بديلا عنه، في أن تحلم بالتوغل عميقا في المنطقة العربية.
والتدخل الإيراني في شؤون العرب، يختلف إلى حدود بعيدة عن التدخل التركي _ مثلا _ فتركيا، تحلم بان تضع قدما لها على بئر نفط في شمال سورية والعراق، وكانت منذ وقت طويل تطالب بمعادلة الماء ( دجلة والفرات ) بالنفط، كذلك تورطت بالتحالف مع الأخوان المسلمين حصرا، وهي في ذلك تتقاطع مع بعض الأنظمة العربية، وهي أكثر من ذلك دولة سنية، تناصر سنة العراق وسورية الذين تقوم إيران وحلفاؤها من علويين وشيعة بقتالهم وطردهم من أوطانهم. ولعل اخطر تدخل تقوم به إيران هو حين تكشف عن نواياها بإقامة أنظمة طائفية / شيعية، حتى لو كان الشيعة أقليات، كما تفعل في سورية، اليمن والبحرين.
المشكلة أن حماس بعض العرب للذهاب بعيدا في التوحد والتحالف ضد إيران لدرجة اعتبارها عدو العرب الأول، بدلا من إسرائيل _ مثلا، وحيث أن تشكيل المحور العربي، الذي يمكنه أن يشكل محورا إقليميا يصد أضلاع مثلث التأثير الإقليمي : تركيا، إيران، إسرائيل، ونقصد به المحور السعودي / المصري، والذي يمكنه أن يحتوي الأردن والإمارات، ومن ثم دول أخرى، ما زال مختلفا حول هذه النقطة بالتحديد، فمصر تختلف مع السعودية في مستوى علاقاتها العادية مع إيران والمتوترة مع تركيا، لذا فان تجاوز هذا الإشكال يتطلب من الأردن أن يقوم بجهد جبار لجمع الموقف العربي، خاصة مع محاولة العرب التقرب إلى واشنطن / ترامب التي عادت لترى في إيران عدواً وخصماً سياسياً في المنطقة. 
لأجل هذا _ ربما _ سيذهب الملك عبد الله الثاني بن الحسين، إلى واشنطن بعد القمة مباشرة، بصفته رئيسا لها، ليحاور الرئيس الأميركي حول ما قرره العرب، تجاه إيران، بما يمكن اعتباره، تقديم " خدمة " لأميركا وإسرائيل، بهدف الحصول على المقابل، في الملف الفلسطيني، الذي يحتاج له العرب كثيرا، من أجل أن ينجحوا في تشكيل محور عربي إقليمي من جهة، ومن اجل أن يطمئنوا إلى القدرة على مواجهة إيران بدعم أمني إسرائيلي، ودون أن يضطروا إلى التحالف مع تركيا، خاصة وان مصر والأردن تجمعهما اتفاقيات سلام مع إسرائيل، فيما تحتاج السعودية والأمارات، ومن ثم المغرب والبحرين، وحتى قطر، إلى منجز في الملف الفلسطيني حتى يمكنها أن تتعامل مع إسرائيل دون مواربة وفي العلن.
لحد الآن، يمكن القول بأن الملك عبد الله الثاني قد نجح في تحقيق نتائج ايجابية تهيئ لأن تكون هذه القمة مختلفة إلى حد ما عن سابقاتها التي كانت بمثابة " كمالة عدد "، فقد نجح  في ضمان حضور معظم القادة العرب، وفي حال نجحت القمة في احتواء الموقف العراقي _ الذي لن يقوى على صد هجوم السعودية والإمارات على طهران في ظل وجود مندوب ترامب في القمة _ وربما اللبناني في تحديد إطار موقف من إيران، كذلك في تحديد إطار تفاوضي للمبادرة العربية في بيروت 2002، بالإشارة إلى أن التفاوض مع إسرائيل سيجري ضمن إطار إقليمي، أي سيكون مقابل اتفاق سلام حول الملف الفلسطيني تطبيع عربي كامل، فستكون مهمة رئيس القمة أن يقنع واشنطن بالبضاعة العربية، ومن ثم التقدم بعيدا على طريق أن يكون العرب شريكا في صياغة الترتيبات الإقليمية الجديدة، ما بعد فصل أول من الفوضى الأميركية " الخلاقة " في الشرق الأوسط .
بقي أن نختم بالقول بان القمة العربية في البحر الميت جاءت بالنسبة للأردن في وقتها، حيث تعاني البلاد من أزمة اقتصادية حادة، فيما يسود التوجس من أن تجد هزيمة داعش في العراق متنفسا لها في الأردن، لذا فان الأردن بذل جهودا خارقة لإنجاح القمة، فيما يتوقع أن يحصل على المكافأة بعدها، فهل ينجح الأردن في إحياء الموات العربي من قلب مركز الحسين بالبحر الميت، أم أن فلسطين التي هي بمثابة روح الأمة العربية، حيث مصر رأسها وسورية قلبها، تعود لإحياء الموات العربي بانتفاضة جديدة تعقب القمة، تماما كما حدث قبل ثلاثين عاما، حين اندلعت الانتفاضة الأولى بعد شهر فقط من مؤتمر قمة الوفاق والاتفاق ؟ ! 

Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد