النساء الفلسطينيات في قطاع غزة.. 10 سنوات علي الحصار والإنقسام والعدوان

عندليب عدوان

غزة / عندليب عدوان  / لقد فرض الحصار والإنقسام وحروب الإحتلال الإسرائيلي الثلاث الأخيرة خلال السنوات العشر السابقة، حالة لم يسبق لقطاع غزة بجميع سكانه، أن عاشوا مثلها في التاريخ الحديث. حالة ألقت بظلالها المعتمة على كافة مناحي الحياة الإنسانية، والإجتماعية،الإقتصادية، البيئية، والثقافية، وكذلك التعليمية، وبالتأكيد السياسية.
وتتلقى النساء هامشا أكبر من المعاناة والأعباء نتيجة هذه الأوضاع اللاإنسانية المفروضة على سكان قطاع غزة، الذى أصبح "جيتو" بكل ما تحمل الكلمة من معنى. "جيتو" يضم حوالي 2 مليون إنسان، نصفهم تقريبا نساء، والغالبية منهم أطفال وشباب يحاصَرون بين بحرٍ ممنوع عليهم مداه، وحدود معابرها موصدة يحرسها سلاح الأعداء والأشقاء. جيتو يعاني التمييز والتهميش ويتعامل معه الإحتلال كمنفى أو معتقل لمن لا يرغب في وجودهم من فلسطينيين في الضفة الغربية وبضمنها القدس ، هذا عدا عن اعتبار غزة الجيتو فأراً للتجارب ومكباً للنفايات السامة.

 كيف تحمل النساء في غزة   أعباء انحطاط تلك الأوضاع؟؟  لنرى...

*على المستوى الإنساني حالة الفقر والإفقار التي يعيشها المواطنون في القطاع وجميعكم يعرف ماذا يعني أن تجبر المرأة ربة الأسرة في 80% من العائلات في قطاع غزة، على التعايش والتكيف مع معونات إنسانية لا تفى سوى بالحد الأدنى من أساسيات العيش الكريم.
*وكذلك المرأة في العائلات المصنفة تحت عنوان الفقر الشديد والذن يمثلون ربع السكان في غزة تقريباً، 20% منهم عائلات ترأسها نساء بالاضافة لحوالي 9% من العائلات بشكل عام ترأسها نساء في قطاع غزة. ليس هذا فقط بل و تصل نسبة الأمية بين المعيلات إلى حوالي 8% ونسبة المعيلات بين العائلات المهجرة جراء عدوان 2014 حوالي 10% .. تخيلوا، مهجرات ومعيلات.


*وعلى المستوى الإنساني أيضا خلال السنوات العشر السابقة عاشت النساء في حوالي 30 ألف عائلة، ظروف التهجير والتشريد والعيش في ملاجىء مؤقتة أو ظروف معيشية في مساكن غير ملائمة للعيش ولا تحفظ الخصوصية، بل وتنتهك كرامة النساء الإنسانية، هؤلاء من تم تدمير بيوتهم كلياً وجزئياً في الفترة بين يناير 2008 وحتي نهاية 2014، عدا طبعا عن آلاف العائلات التي عانت مآسى التهجير والتشرد فترة إندلاع العدوانات الثلاث، هروباً من القتل المجاني الذي يلاحق سكان الشريط الحدودي شمالا وشرقا وجنوبا وغرباً هرباً من مدفعية قوات الإحتلال البحرية.


*هل نضع جدول الكهرباء تحت تصنيف إنسانى أم بيئى أم إجتماعى أم إقتصادى أم نفسي؟؟؟  لنخترع له تصنيف جديد ... 10 سنوات ونحن النساء في غزة نعيش تحت رحمة العتمة أغلب أوقاتنا حالة من القهر النفسي المتواصل، إحباط وارباك وعزوف عن الحياة الإجتماعية، وإستنزاف إقتصادى بين فاتورة خاوة، وإشتراك في مولد، وبطاريات لا تسمن ولا تغنى من جوع، وليدات أصابتنا بالعمى وحرائق أكلت أجساد النساء والأطفال وهم يحلمون بالدفء والنور... والنساء مجبورات أن يتعاملن مع كل هذا الضغط في أوقات قطع الكهرباء بكل تفاصيلها....

 *أكثر من 600 إمرأة قتلت في الإعتداءات الاسرائيلية منذ 2008 وحتى 2014، الآلاف من النساء والفتيات أصبن جراء الإعتداءات الثلاث، وغالبيتهن تسببت لهن الإصابة بإعاقات غيرت مسار حياتهن و مستقبلهن.

*زيادة مهولة في أعداد المرضى بالسرطان. اذ بلغ عدد الإصابات الجديدة بالسرطان بين عامي 2009-2014،  7069 حالة، حوالي 55% منهم نساء ، طبعاً هؤلاء من تم إكتشاف المرض لديهم... وتعانى النساء وكل المرضى من نقص في الخبرات الطبية للتشخيص الصحيح وطبعاً نقص في الخبرات للعلاج، نقص في الأدوية، في الأجهزة الطبية ونقص في الواسطة، للتحويلات الطبية و التصاريح والمعابر للخروج للعلاج في الخارج.


الإجتماعي: تتزايد نسبة العنف ضد النساء في قطاع غزة مع تزايد الصعوبات في المعيشة التي نواجهها كل يوم تقول الدراسات أن نسبة العنف العائلى في قطاع غزة حوالي 50%، أنا أقول أن نسبة العنف العائلى تتجاوز ال70%.  هناك 50 حالة شكوى شهرية من النساء للشرطة في قطاع غزة خلال 2014. أكثر من 80% من هذه الشكاوى عنف أسرى، و5% فقط منها يتم تحويله إلى النيابة، والباقي يحول إلى القضاء العشائرى والعائلي. وجميعنا يعرف أن حلول القضاء العشائري غالباً تكون على حساب حقوق المرأة.


*نسبة الزواج المبكر في قطاع غزة للعام 2016 أكثر من 37%، أكثر من 60% منهن يتعرض للعنف العائلى. 
*عدد حالات الطلاق لعام2016 كانت 3188، بزيادة قدرها 561 حالة طلاق عن عام 2015......... 
*قتلت أكثر من 80 إمرأة في الضفة الغربية و قطاع غزة في السنوات الأربع الأخيرة على خلفية ما يسمى بالشرف في الأراضي الفلسطينية. وبإعتماد هذا المعدل وهو في تزايد بالمناسبة نجد أن حوالي 100 إمرأة على الأقل في قطاع غزة فقط قتلت على خلفية ما يسمى بالشرف خلال السنوات العشر الأخيرة.


*المؤسسات الأهلية و عياداتها القانونية، و المؤسسات الحكومية والشرطة والمحاكم والقضاء و القضاء العشائرى ولجان الإصلاح ومجالس العائلات، الجميع لديهم زحمة في العمل على مشاكل العنف العائلى، الهجر، الطلاق، النفقة، الحضانة، الزواج الثاني، الميراث، وغيرها الكثير جميع هذه الأطر لا تكفي العدد المتزايد من المشاكل الإجتماعية التي تصلهم يومياً حسب تقاريرهم...
 

*لا ندرى الرقم بالتحديد للنساء المعلقات، و معلقة تعني أن تكون المرأة متزوجة وربما لديها أولاد ولكنها لا تعيش مع زوجها الموجود على قيد الحياة، أو أنه هو لا يعيش معها، وجزء كبير من هؤلاء المعلقات هن من طالبات الطلاق، ولكن بفعل الإجراءات شديدة التعقيد والتقييد، لم يحلصن عليه بعد، بعضهن الآخر، معلقات بفعل أن الزوج من الذين هاجروا إلى أوروبا أو غيرها من أصقاع الارض، على وعد بضم الزوجات والأولاد ولم يفعلوا بعد، بعضهم في إنتظار الاجراءات وبعضهم الآخر تهربا من المسوؤلية، وهناك عدد قليل  منهن لا يعرف مصير الأزواج إن كانوا أحياء أم أموات.

*وعن الأوضاع الإقتصادية ذكرنا أن نسبة 80% من العائلات في القطاع تتلقى مساعدات إنسانية، وأن نسبة الفقر في قطاع غزة وصلت ل65% ، وأن نسبة البطالة بشكل عام وصلت 47% ونسبة البطالة بين الشباب وصلت إلى أكثر من 60% وأن النساء هن النسبة الأغلب في عدد المتعطلين عن العمل، إذ تبلغ نسبة مشاركة النساء في سوق العمل حوالي 17% فقط وكل تلك المؤشرات والأرقام تؤكد ثقل أعباء المرأة، بوصفها فقيرة ومتعطلة عن العمل، وبوصفها ربة أسرة تتلقى معونات لتوفير الحد الأدنى من متطلبات العيش.


 وفي الاقتصادي أيضا، و حول ميراث المرأة، تشيرالدراسات أن حوالى ربع النساء تحرم من ميراثها الشرعي.                     
 

*وعن الأوضاع الصحية والبيئية: تشير الدراسات أن المرأة هي آخر فرد في الأسرة يذهب إلى الطبيب، الأولوية للرجل، وللأطفال، ولكبار السن، وعلى المرأة أن تخدم وترعى كل هؤلاء في مرضهم وإن مرضت فهى من يعتني بنفسها وليس أحد آخر.  

*وتزيد الأوضاع الصحية تدهوراً مع زيادة الأخطار البيئية المتراكمة في قطاع غزة، إذ ينتشر مرض السرطان كالنار في الهشيم، وكذلك الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكرى والقلب، وتشكل النساء النسبة الأكبر من المصابين بها وتنتشر الأمراض الصدرية والحساسية كذلك بسبب زيادة نسبة التلوث في الجو نتيجة المولدات بديلا  للكهرباء، ونتيجة المواد السامة في مخلفات العدوان في الجو والتربة ومياه الشرب،  ونتيجة لتلوث مياه البحر بالعوادم و صب مياه الصرف الصحي مباشرة فيه، تنتشر أمراض الجلد والحساسية كذلك وفي نفس الوقت تنحصر الموارد الصحية وتكاد تنعدم الخبرات الطبية والأدوية للتعامل مع هذه الأوضاع الخطيرة.

* و غني عن القول، أن غالبية سكان قطاع غزة، يعانون ضغوطا نفسية شديدة، و يتعايشون مع أوضاع نفسية صعبة جدا، دفعت أعدادا ضخمة من الشباب و الكهول، نساءا و رجالا الى أحضان المخدرات.
 

*وعن الأوضاع الثقافية والتعليمية: فحدث ولا حرج من المعروف أن غزة تعانى في مجال التعليم والثقافة معاناة شديدة، وليس من المهم فقط عدد الطلاب والطالبات الذين يلتحقون بالمراحل التعليمية المختلفة ومنها الجامعية، ولكن من المهم أيضا بل والأكثر أهمية هو نوعية التعليم التي يحصل عليها أبناء وبنات القطاع وكذلك نوعية التربية التي يتلقونها في المدراس والجامعات وخاصة التربية المتعلقة بالسلوك والأخلاق والتعامل مع المرأة... فعدا عن تدني مستويات القراءة والكتابة والعلوم والمعلومات المتضاربة التي يرسخها منهج ممسوخ، ومعلمين ومعلمات لم يحصلوا على الكفاءة اللازمة، فإن السلوكيات والأفكار التي يتلقونها وينقلونها هي سلوكيات وأفكار ترسخ دونية المرأة، وتنمط التفكير تجاهها، مثل تأنيث المدراس، وفصل الطلاب عن الطالبات في الجامعات، فرض الحجاب، ومعاقبة من ترفضه، وتوجيه الفتيات إلى دراسة  تخصصات نمطية مثل التعليم الأساسي، والتربية، منع أوإستبدال حصص الرياضة البدنية، وحصص الثقافة، والمطالعة وغيره من الأنشطة، بالاضافة الى إهمال الأنشطة اللامنهجية التي كانت في السابق...

وعن الثقافة نتاج كل ما سبق ذكره في أوضاع إنسانية وإقتصادية وإجتماعية، فإن الثقافة الآخذة في التغلغل، هي ثقافة التشدد والتطرف، تنتشر عبر الاعلام الموجه وفي  جميع الساحات... وتحاصر، بل وتهاجم أي ساحة يمكن لها أن تتبع أي نوع من ثقافة التنوع والتسامح  وغيره من القيم

*ويزيد إغلاق المعابر في وجوه الشباب من سوء الأوضاع الثقافية، إذ لا يتمكنون من السفر والإطلاع على أنماط ثقافية أخرى مختلفة، أو المشاركة بأي أنشطة ثقافية. وللأسف الشديد يزيد الإنقسام الواقع منذ 10 سنوات في التهميش الثقافي لقطاع غزة، اذ لا تقوم وزارة الثقافة بأي أنشطة مثل تلك التي تعقدها في الضفة الغربية والقدس، وإن فكرت بذلك فمطلوب من القائمين على النشاط أن يحصلوا على عدد كبير من التراخيص والموافقات التي تجعل من عقد النشاط شبه مستحيل وهكذا الواقع الأسود كله يزيد من نمطية صورة المرأة ومن أعباءها ومن تعرضها للمسائلة والملاحقة إن تم نسب أي نشاط ثقافي لها.

*و يرتبط بالجانب الثقافي، قضية حرية الرأي و التعبير للمرأة. اذ تعاني المرأة و الشابة على وجه الخصوص، من عدم اتاحة بيئة أو أجواء تمكنها من ابداء رأيها بحرية. اذ أن الرقباء عليها أكثر من القراء و المستمعين و المشاهدين. و جميعهم ينصب من نفسه قاضي، في قمة جهوزيته لحذف التهم و اعلان الجزاءات على النساء              .

*و أخيرا ماذا عن الشأن السياسي؟ منذ بداية الانقسام قبل عشر سنوات، كانت المرأة هي السباقة و المبادرة و الأكثر مواظبة على رفع راية الوحدة الوطنية و الدعوة و الضغط باتجاه رأب الصدع و انهاء الانقسام.. فنزلت الى الشارع و تعرضت للضرب و الشتم و التوقيف، و عندما جلس المنقسمون ليتجاذبوا قضية المصالحة و يتقاسموا غنائمها، نسوا المرأة و غيبوها تماما... في ذات الوقت الذي يتغنون به بأن أطرهم الحزبية العليا، تضم النساء... و يحفظون لها في خطاباتهم أنها حارسة نارهم المقدسة، أي حارسة و قد أطفأتم نار القضية الوطنية و دنستم قدسيتها بانقسامكم و اقتتالكم و أنانيتكم الحزبية؟؟  المرأة المواطنة الشريكة، لا توجد سوى شعارات في رؤوس قادة الاحزاب السياسية، و لا يجسدها أي فعل من أفعالهم ... وينسحب هذا على كل المستويات و كل الألوان السياسية... طبعا هذا عن دور المرأة ووضعها في الانقسام و المصالحة خلال السنوات العشر السابقة فقط. مع التأكيد على أن نضال المرأة الفلسطينية السياسي ضارب جذوره منذ تشكل الوعي الوطني، و القضية الوطنية للشعب الفلسطيني بأكمله. و لكن أيضا دورها غير مقدر و غير معترف به، بشكل عملي من قبل الأطر، و الأحزاب السياسية، أو السلطة و الحكومة، أو المؤرخين. اذ تحتل المرأة في مواقع صنع السياسة و القرار جزءا ضئيلا جدا، و على الرغم من ذلك فوجودها أيضا شكلي في الغالب و لذر الرماد في العيون. 

لن نخوض في دورها في المجلس التشريعي، المعطل منذ سنوات...

لن نخوض في دورها و موقعها في الانتخابات المحلية المعطلة في القطاع

لن نخوض في دورها في النقابات و الاتحادات الشعبية و على رأسها الاتحاد العام للمرأة، تلك الاتحادات المتكلسة منذ سنوات

لن نخوض في دورها في المجالس الطلابية المعطلة منذ سنوات

لن نخوض في المعابر الموصدة التي تمنع تواصلها و تطورها الطبيعي و تحرمها حقها في الفرص التي من المفروض أن تتاح لها و خاصة الأجيال الشابة من النساء اللواتي فتحن أعينهن على الانقسام و الحصار و العدوانات

لن نخوض في مواقع كثيرة في هذا المجال .. و نكتفي بهذا الكم من العتمة ... 

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد