أبو الغيط: السلطة الفلسطينية ترغب في إعادة صياغة بعض أفكار الحل السلمي
القاهرة / سوا / بعد عودته من جولة عربية شملت العراق والأردن وقطر، تمهيداً للقمة العربية المرتقبة في عمان نهاية الشهر، توقّع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن تحظى القضية الفلسطينية باهتمام كبير في القمة المقبلة.
وكشف أن السلطة الفلسطينية ترغب في إعادة صياغة بعض الأفكار للحل، وطرحها على القمة لاعتمادها. وحذَّرَ من استمرار تدهور الوضع في ليبيا، معتبراً أنه «ينذر بالانفجار إذا لم تتوقف العمليات العسكرية». وأكد أن مقعد سوريا في الجامعة العربية «سيكون للحكومة الانتقالية التي سيتوافق عليها في مفاوضات جنيف».
وقد أجرت صحيفة الشرق الأوسط معه هذا الحوار:
* كيف ترى الأجواء العربية قبل انعقاد القمة العربية، خصوصاً بعد زيارتكم للأردن والعراق وقطر، والمشاورات والاتصالات مع كل الدول العربية؟
- أرصد تحسُّن المناخ بصفة عامة، وقدراً من التفاهم، وأتبين أن هناك رغبةً في تسوية أي موضوعات تمثل حاجزاً بين الدول العربية، والقادة والزعماء العرب. واستشعرتُ بعض الاطمئنان، خصوصاً مع ملامح الحضور الكبير الرفيع المستوى في القمة.
* ماذا عن نتائج زيارتكم لقطر، وهل لمستَ تغييراً إيجابياً في العلاقات المصرية - القطرية؟
- موضوع العلاقات الثنائية المصرية - القطرية لم يتم بحثه، لأنني لم أُفوَّض أو أُكلَّف على الأقل من الجانب المصري بالسعي في هذا الاتجاه. ومع ذلك بدا لي أن الأمير تميم بن حمد آل ثاني يهتم اهتماماً كبيراً بمصر وبالاستقرار المصري وبنجاح الاقتصاد المصري وتوفير الفاعلية التي تحقق لمصر الانطلاقة، وهذا أيضاً يعطي طمأنينة إلى أن هناك رغبة في الإصلاح بين الطرفين. لكن لم يناقش هذا الأمر تحديداً خلال اللقاء مع الأمير.
* هل لمستَ خلال زيارتكم للعراق أن هناك تحولاً في الوضع على الأرض، من ناحية مكافحة الإرهاب والتدخلات الإيرانية في الشأن العراقي؟
- وجدتُ بالفعل جهداً كبيراً من أجل نجاح معركة الموصل. ويبدو أنهم يحققون بالفعل هذا النجاح. العراق يتصور أنه ظُلم من الأطراف العربية، ولديه عتاب على الدول العربية لأنها لم تساعده. ومع ذلك ستبقى دائماً دولاً شقيقة، ليس فقط في معركة تحرير الموصل، وإنما في استيعاب النازحين العراقيين الموجودين في أنحاء العراق. كما لاحظت رغبة مؤكدة لدى كل القادة العراقيين في إحداث انفراجة بالوضع الداخلي عن طريق الاتفاق على إعادة هيكلة النظام السياسي والابتعاد عن المحاصصة، وتشكيل تكتلات سياسية تضم الجميع، تتنافس في إطار الانتخابات. ولاحظت أيضاً أن الأخوة، سواء سماحة السيد عمار الحكيم أو مقتدى الصدر أو الهيئة العليا للسنَّة، يطرحون أفكاراً وصياغات محددة ومذكرات للاتفاق على المصالحة فيما بعد تحرير الموصل، ويركزون كثيراً على انطلاق العراق في عملية إعادة البناء والمصالحة السياسية فور استقرار الوضع الأمني.
* هل تتوقع مصالحات ولقاءات جماعية وثنائية خلال القمة العربية؟
- اللقاءات الثنائية والجماعية والثلاثية على هامش القمة ستحدث. والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني متحمس جداً لمثل هذه اللقاءات بين الأطراف المختلفة لمعالجة، ليس فقط أي خلافات ثنائية، ولكن أيضاً لتناول القمة لموضوعات محددة، في مقدمتها، من دون شك، الشأن الفلسطيني، وهي القضية التي تحظى باهتمام كبير لدى الإخوة في الأردن، ولدى جميع الأطراف العربية الفاعلة في الشأن الفلسطيني. من هنا أتصوَّر أن فلسطين ستلقى كثيراً من الاهتمام في هذه القمة.
* هل سيتم تنشيط المبادرة العربية للسلام مرة أخرى؟ وهل سيكون لمصر دور في حل القضية خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لواشنطن؟
- يجب ألا يفوتنا أن زيارة الرئيس السيسي ستكون في 2 أبريل (نيسان)، والقمة ستختتم أعمالها في 29 مارس (آذار)، أي قبل يومين من القمة المصرية - الأميركية. ومن هنا فإن زيارة الرئيس السيسي إلى واشنطن تمثل أمراً مهماً، خصوصاً أنها تأتي بعد القمة العربية، وقد صدرت قرارات وتوجيهات لا شك في أنها ستساعد الرئيس على أن يتحدث بمعرفة كاملة عن الرؤية العربية للقضية الفلسطينية والقضايا الأخرى التي تؤرِّق المنطقة.
* هل ستكون هناك صياغة جديدة لإعادة طرح الملف الفلسطيني؟
- هناك رغبة من الجانب الفلسطيني في إعادة صياغة بعض الأفكار في قرار فلسطين. ووعدوا بتقديم مشروع جديد يتعلق بالقضية بشكل عام، ونعلم أن هناك دائماً قراراً فلسطينياً أمام القمم، وهذه المرة سيطرحون أفكاراً لم يحددوها بعد.
* كيف تتعامل الجامعة والقمة مع الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس دونالد ترمب؟
- العلاقات العربية - الأميركية ليس لها قرار يصدر عن القمة، لكن الإطار العام للتفكير العربي سيحكم مواقف كثير من الأطراف العربية في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
* أقصد كيف تتعامل الجامعة العربية مع الإدارة الأميركية في الملفات المختلفة؟
- هناك تعاون بين الجامعة العربية والولايات المتحدة، على سبيل المثال، في مكافحة الإرهاب. وتلقيت أخيراً دعوة من وزير الخارجية الأميركي إلى الاجتماع الوزاري (المقرر اليوم) في واشنطن. ولأن وقتي مضغوط نظراً إلى مشاركتي في الاجتماعات التمهيدية للقمة، أوفَدتُ الأمين العام المساعد السفير حسام زكي للمشاركة الفاعلة، وإلقاء كلمة باسم الجامعة العربية في هذا الملف المهم، وهو مكافحة الإرهاب و«داعش»، وكيفية هزيمته على الأرض العربية. على الجانب الآخر، الجامعة العربية ملتزمة بكل القرارات في علاقاتها، ليس فقط مع الطرف الأميركي، وإنما مع كل الأطراف الدولية، مثل الصين وروسيا وأوروبا وغيرها.
* ما أهم الملفات والبنود المطروحة على القمة العربية؟
- المطروح أمام القمة 16 بنداً، وهناك ما يقرب من 30 بنداً على مستوى المندوبين والوزراء، وسيصدر عن القمة إعلان ختامي قصير ذو توجهات محددة تعالج المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، ليس في إطار التوصيف، وإنما في سياق التوجيه بأن يكون هذا هو المنحى العربي مستقبلاً خلال الشهور والسنوات المقبلة. والجانب الأردني يعطي اهتماماً كبيراً لهذا الإعلان.
* ما الأولويات بين البنود المطروحة على القمة؟
- كلها أولويات. الملف الفلسطيني والأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب والأزمة السورية واليمن وليبيا وتطوير أداء الجامعة العربية والملف الاقتصادي والاجتماعي، وهو ملف لها اهتماماته، ويمثل تراكمات العمل العربي المشترك ومعالجة مسائل المياه والغذاء ومنطقة التجارة الكبرى والتعاون التكنولوجي.
* كيف ستتعامل القمة مع الملف السوري، وهل يمكن وضع سقف زمني لحل هذه الأزمة؟ وهل (كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس) الحل لن يكون قريباً؟
- موضوع سوريا يدمي القلب. ولديّ بعض النقاط التي أراها مهمة. أولاً: يجب أن يكون هناك استعداد لتسوية سياسية متوافق عليها، بعيداً عن الحلول العسكرية، وأن تتمتع كل الأطراف بالمرونة. وثانياً: يجب أن تتاح للجامعة والدول العربية إمكانية المشاركة الفاعلة ذات التأثير في كل الجهد السياسي الذي سيبذل في جنيف أثناء المفاوضات بين الأطراف. وثالثاً: يجب أن نعترف بخطأ وقع فيه المجتمع الدولي بتجنيب الجامعة العربية المشاركة الفاعلة الدائمة في الشأن السوري. ورابعاً: قد تطرح دولة هنا أو هناك فكرة شغل المقعد السوري مرة أخرى في الجامعة لإشراك الجامعة في الملف، لكن المشكلة التي تواجه هذه النقطة تحديداً أن الأطراف السورية لم تتوافق بعد على صيغة للمستقبل وكيفية السير باتجاه تنفيذ تسوية الأزمة. من هنا لا تزال الأسباب التي فرضت عدم شغل النظام السوري مقعده موجودة، واللحظة التي يتوافق عليها الإخوة في سوريا، معارضة وحكومة، على خريطة طريق، ويبدأ التنفيذ، يمكن أن يكون شغل الحكومة الانتقالية الجديدة المتوافق عليها مقعد سوريا في الجامعة، أحد العناصر الجاهزة للتنفيذ الفوري. وهذا هو تفكيري الشخصي. وخامساً: يجب أن نعترف جميعاً بأن الأمين العام والأمانة العامة لا يقرران السياسيات والقرارات الخاصة بسوريا، وإنما الدول الأعضاء التي لها مطلق الحرية في اختيار ما تريد. وسادساً: التوافق العربي - العربي في الشأن السوري ليس جاهزاً بعد.
* ما الجديد في الأمن القومي العربي ومواجهة التدخلات الإيرانية؟
- هذا البند مطروح أمام القادة العرب في القمة، وموجود مشروع قرار. وأحياناً يحدث تحفظ عليه من قبل دولة واحدة هي العراق لأسباب، منها أن لها حدوداً ممتدة مع إيران ولها مصالح، لكنها ليست على حساب الأشقاء العرب. ومن جانبي أقول لهم وللجميع إن هناك محاولات إيرانية للافتئات على الدول العربية والتدخل في شؤونها، ومن هنا يجب أن تتوقف طهران عن هذا الأمر، وأن تسعى باتجاه العرب لإقامة علاقات حسن جوار تقوم على الاحترام المتبادل.
* هل ترى أن طهران قد تتجاوب مع هذا المنحى في ظل تصريحات صدرت أخيراً تفيد برسائل إيجابية مع الكويت؟
- آمل أن يحدث هذا التحول الإيراني، لكن ما أخشاه أن الاحتدام الأميركي - الإيراني قد يشجع طهران على المضي في طريقها كي تكون الأوضاع العربية ورقة في يدها. ورغم ذلك، آمل أن تكون هذه النيات في الاتجاه الصحيح.
* كيف ترى التدخل الإيراني في اليمن؟ وماذا سيصدر عن القمة بشأن هذا التدخل؟
- إيران دائمة التدخل، وهناك اتهامات ورصد غربي لكثير من المساعي الإيرانية لتأجيج المشكلات في مناطق محددة ضد الأوضاع العربية. وآمل أن تعدل طهران من مواقفها. لكن القرارات فيها مواقف قوية ضد التدخلات الإيرانية.
* كيف ترى الأوضاع الكارثية في ليبيا والتهديدات المتبادلة بين القيادات ووصول السلاح إلى الميليشيات وحظرها عن الجيش الوطني؟
- الحظر على إمداد السلاح لأي طرف داخل ليبيا بقرار من مجلس الأمن. ومع ذلك، تتم التدخلات الإقليمية، سواء من الشمال أو الجنوب، وآمل أن يحظى هذا الملف باهتمام القمة وبنقاش في الجلسات المغلقة، لأن الوضع الليبي اجتماعياً واقتصادياً متدهور جداً، إلى حد أن هناك ملايين من الإخوة الليبيين يتعرضون لمتاعب في الحياة، وأتمنى ألا يتعرض أحد لمنطقة الهلال النفطي مرة أخرى، لأنها ثروة ليبيا التي تمثل احتياطياً استراتيجياً كبيراً جداً للشعب الليبي، والاجتماع الرباعي الذي انعقد في الجامعة قبل أيام كان واضحاً جداً في إدانته لأي عمليات تتعلق بالهلال النفطي.
* ألا ترى أن أطرافاً تحاول إسقاط «اتفاق الصخيرات» لأنها مستفيدة من فوضى الوضع الراهن؟
- المأساة هي أن هناك مَن يتصور أن العمل العسكري يمكن أن ينجح في فرض رؤيته، وهو الأمر الذي يدفع بعض الجماعات إلى محاولة إسقاط الاتفاق. والمطروح ليس إسقاطه، وإنما تعديله بشكل تحقيق الوئام بين الشرق والغرب. وإذا تم ذلك فربما نستطيع التحرك إلى الأمام، وكي يحدث ذلك يجب إنكار الذات، وعدم النظر إلى المصالح الضيقة التي تحكم هذا الطرف أو ذاك. هذا الوضع لا يقتصر فقط على ليبيا، وإنما في عموم الأزمات التي تعاني منها المنطقة، وأتمنى من الجميع ضبط النفس والأداء، وأن تكون كل الجهود من أجل إنهاء العمليات العسكرية والتمسك بالحوار والحلول الإيجابية، لأنه إذا ساء الوضع في ليبيا أكثر من ذلك، فسيكون مثل سوريا. وهنا أتفهم مواقف دول الجوار الليبي (تونس ومصر والجزائر) إزاء خطورة انفجار الوضع أكبر مما هو عليه الآن.
* ماذا تأمل من القمة العربية؟
- آمل أن تشارك في القمة الغالبية العظمى من القادة العرب، وأن تسفر عن تفاهمات فيما بينهم وتسوية الخلافات، أو على الأقل التوافق على أهمية تسوية الخلافات، وأن تعيد إلقاء الضوء مرة أخرى على الموقف العربي من القضية الفلسطينية وتضع المسار الفلسطيني في وضعه الطبيعي، وهو التمسك بهدف حل الدولتين، وطرح مبادرة السلام العربية مرة أخرى بأولوياتها وترتيبها كما صدرت عن قمة بيروت عام 2002.