أصبحتْ جميلةً ويافعةً شعرُها أشقرُ وعيناها يكسوها السوادُ ، لا تبدو نحيفةً ولكنها أنيقةٌ , مواصفاتٌ راقيةٌ في سيدةٍ تبدو وكأنها أنثى غيرُ عاديةٍ ، تخرجتْ من الجامعةِ بعدَ ثلاثِ سنواتٍ ونصفٍ من الدراسةِ معدلُها التراكميُّ يسمحُ لها بأن تكونَ مُعيدةً في الجامعةِ لمدةِ عامٍ - لكنها رفضتْ – فعملُها التطوعيُ في إحدى الجمعياتِ الخيريةِ ترك لها انطباعاتٍ متعددةً عن خدمةِ المجتمعِ والاهتمامِ به ، فهي تعيشُ في حقبةٍ تاريخيةٍ تأثرتْ فيها بالعملِ التطوعي والمجتمعي .

ليلى ... " الاسم مستعار " تلك الملاكُ الجميلُ ذاتُ العشرين عاما واثنين، تقدمتْ لوظيفةٍ في إحدى المؤسساتِ الدوليةِ في قطاعِ غزة ، لتبدأَ رحلةً جديدةً في العملِ المجتمعي الذي تغنتْ به أمامَ صديقاتِها وضحتْ من أجلهِ بفرصةِ أن تكونَ معيدةً في الجامعةِ لأنها تؤمنُ بأن بناءَ المجتمعِ يحتاجُ إلي الإيمانِ به والعملِ من أجلِه .

هذه المقدمةُ ليستْ القصة الحقيقية التي أريدُ أن أتحدثَ عنها ولكنْ ما دفعني لكتابةِ ذلك أن هذه الفتاةَ أصبحَ عمرُها الآن 32 عاماً ولم تتزوجُ بعدَ أن طَرقَ بابَ بيتِها قرابةَ ال300 عريسٍ خلالَ السنواتِ الماضيةِ من أجلِ الظفرِ بالزواجِ منها .

" ألا تنكحُ المرأةُ لأربعٍ؟ وهذه أمُّ الأربعِ  المالُ والجمالُ والحسبُ والدينُ ، ورغم ذلك لم تتزوجُ لماذا " ؟

هل تصدقون أن فتاةً في غزةَ طَرقَ بابَ بيتِها هذا العددُ من العرسان بجميعِ المواصفاتِ من طبيبٍ لمهندسٍ لرجلِ أعمالٍ لإعلاميين، لم يطرقْ بابَهُمْ يوما طارقٌ إلا وسألَ عنها ، فالمواصفاتُ جميلةٌ ونادراً ما تجدُ فرصةَ الارتباطِ بمثلِ هذه الفتاةِ ولكن لماذا لم تتزوجْ ؟

قدر اللهُ أن تعيشَ " ليلى "  بين 7 أخوةٍ ذكور ، كانتْ تقومُ على رعايتِهم اقتصاديا أيَّ أنها تساعدُهم على توفيرِ مصروفِهم اليومي حتى لا يقعوا ضحيةَ تجارِ المخدراتِ أو الإدمانِ على الترمادول أو مرافقةِ أصدقاءِ السوء ، هذا ما كانتْ قادرةً علية في بداياتِ عملِها في تلك المؤسسةِ ، ولكن ما إن تطورَ عملُها ونمت قدراتُها ارتفعَ راتبُها حتى وصلَ إلي قرابةِ 1500 دولارٍ في الشهرِ ، ما أدى إلى زيادةِ عددِ طُرّاقِ البيتِ وطلبِ يدها للزواج .

بدأتْ الاتكاليةُ تسيطرُ على أجواءِ البيتِ فالأبُ يرفضُ الأزواجَ والأمُّ كذلك لقد أصبحتْ" ليلى " بمثابةِ "البنك" للعائلةِ كيفَ نضحي بهذا الكنزِ الثمين ومن يصرفُ علينا إذا تزوجتْ ؟ أسئلةٌ تطرحُها العائلةُ في اليومِ مراتٍ عديدةٍ فكلما تقدمَ أحدُ الخاطبين إلي البيتِ يقومون بطردِه ويقولون له " معندناش بنات للجيزة " .

أين الغريبُ في تلك القصةِ  .. أن " ليلى " لا تعرفُ أنه يتقدمُ إلي خِطبتِها كلَّ يومٍ رجلٌ أو اثنان فهي تغادرُ المنزلَ من الثامنةِ وتعودُ في الرابعةِ مساءاً ، يكونُ التعبُ قد نالَ منها ما نالَ تنامُ وتصحو على ضحكاتِ الأخوة ، لم تشعرْ أنّ هذه الضحكاتِ لها مقابلٌ فهي تشعرُ بدفءِ الإخوةِ ومحبتِهم تجاهها بما أنها أختُهم الوحيدةُ ومدللتُهمْ وفي نفسِ الوقتِ حاميةُ عرينِهم الاقتصادي .

كبرَ الإخوةُ وبدأ الأبُ والأمُ بالتفكيرِ في تزويجِهم وفعلا بدأ مسلسلُ الزواجِ في العائلةِ فقد قررتْ العائلةُ بمباركةِ " ليلى " أن يتمَّ تزويجُ واحدٍ في كلِّ عامٍ وهكذا قضتْ " ليلى " سبعةَ أعوامٍ أو أكثرَ من عمرِها ومن راتبِها وهي تزوجُ في أخوتِها حتى أنفقتْ كلَّ ما لديها على تزويجِهم وترتيبِ بيوتِهم حتى وصلَ الأمرُ إلي شراءِ مكياجٍ لزوجاتِهم حتى تنالَ رضا والديها .

مرتْ الأيامُ مسرعةً وغابتْ الضحكاتُ من البيتِ ، وباتْ الإخوةُ في أحضانِ زوجاتِهم ، واشتعلَ تفكيرُ "ليلى " مجددا أين أنا الآن ، فالعمرُ اثنين وثلاثين ، أين مالي أين زوجي أين أولادي أين حياتي ، أين مستقبلي أين غرائزي .

نعم أنا ضحيةُ نجاحي وتفوقي أنا أجلسُ الآن في بيتِ أبي على وقعِ نَظَراتِ زوجاتِ أخوتي وكأني قاتلةُ أبي وأمي ، وكأنني عبءٌ على سعادتِهِنَّ مع أزواجِهنّ فالمؤسسةُ التي كنتْ أعملُ فيها أنهتْ أعمالَها وأغلقتْ أبوابَها، وأصبحتُ جليسةَ البيتِ بين جدرانٍ لا تعرفُ إلا لغةَ الصمتِ ، وان كان الصمتُ في بعضِ الوقتِ خيراً من الكلامِ إلا أن هذا هو الصمتُ القاتل . 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد