272-TRIAL- ربما كان من الأفضل للجانب الفلسطيني، بشقيه المتخاصمين أو الأخوة / الألداء، عدم متابعة التفاوض حول وقف إطلاق النار غير المباشر مع الجانب الإسرائيلي، أو على الأقل، عدم التركيز عليه، ودعم منحه أية أولوية ولا بأي حال من الأحوال، فقد بات واضحاً، أن متابعة هذا المنحى ليس فقط أنه لن يحقق أدنى مطالب الطرفين الفلسطينيين ( الأول الذي يطالب بأن تتحول المفاوضات إلى مفاوضات لإنهاء الاحتلال، والثاني يطالب بأن تنتهي بفك الحصار عن غزة )، بل لأنه بات مهيناً وبشكل واضح، فالجانب الإسرائيلي، شن الحرب على غزة، وحقق أهدافه ولو ليس بدرجة كاملة، وانتهى الأمر، وليس بيد " حماس " أية أوراق ضغط تجبره على كسر الحصار تماماً، بـ "فتح" المعابر والمطار والميناء، فضلا عن ذلك، لا يمكن إجبار إسرائيل، عبر لقاءات القاهرة، على الخوض في مبادرة الرئيس محمود عباس ، الهادفة لإنهاء الاحتلال من خلال الإقرار بحدود 67 وبسقف زمني.
لقد نجح الجانب الإسرائيلي بتحويل المؤقت إلى دائم، وليس هناك من قوة تجبره الآن على الرضوخ لمطالب "حماس"، التي لن يكون بمقدورها تجديد الحرب، لأسباب سياسية، وكذلك لأسباب عسكرية، فبعد مضي شهر، تكرّست الحالة التي هي مريحة للجانب الإسرائيلي، وبعد افتتاح شكلي للتفاوض، قدم فيه الجانبان مقترحاتهما بخصوص جدول الأعمال، تم تعليق التفاوض لمدة شهر آخر، أي للأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول القادم، بحجة الأعياد اليهودية وكذلك لما بعد عيد الأضحى، وهذا يحقق تكتيكا، كان واضحا منذ أكثر من شهر، يقوم على أساس وقف النار، دون اتفاق يمكن أن تدعي من خلاله "حماس" بأنها قد حققت شيئا، ويدحض _ عمليا _ ادعاءها بأنها حققت النصر العسكري في المواجهة الثالثة مع إسرائيل.
الرئيس محمود عباس، بسبب حنكته السياسية، وبسبب أنه لا يعاني من بطالة سياسية، كما هو حال حركة حماس، ركز على الجبهة الدولية، وترك لقاء القاهرة وراءه، وذهب إلى نيويورك، ليبحث عن منصة سياسية، يطلق من خلالها قنابل الضغط على إسرائيل لإجبارها على الدخول في طريق إنهاء الاحتلال. وبغض النظر عن طبيعة القنبلة السياسية التي قال عنها جبريل الرجوب، فإن لقاءه طلاب جامعة كوبر بنيويورك، شكل عملياً، بداية هجومه على نتنياهو في "معقله "، وهي جوهر خارطة الطريق الخاصة به. ويمكن القول بأن أبو مازن، قد امتص صدمة الحرب الثالثة على غزة، حيث أن نتنياهو نجح في الهرب من استحقاقات ما بعد فشل المفاوضات، عبر "حماس"، الساذجة سياسيا، وتجنب انتفاضة في الضفة و القدس والـ 48 معا، بعد حرق أبو خضير، وانه، احتوى محاولة "حماس" إكمال طوق النجاة لإسرائيل من خلال طرح مطالب خاصة بغزة _ فقط، من شأنها أن تدشّن دولة غزة، وعبر عباءة عباس، لأن القصة جاءت بعد إعلان حكومة التوافق !
أبو مازن _ برأينا _ بعناق الدب مع "حماس"، وبإدارة سياسية للمواجهة العسكرية، رغم المرارة الناجمة عن اٍستمرار "حماس" في مناكفته، لديه الآن، العصا والجزرة، في مواجهة رئيس الحكومة الإسرائيلية، وليس أمام نتنياهو إلا أن يقبل واحداً من ثلاثة خيارات : الأول _ أن يذهب إلى مفاوضات برعاية دولية، على أساس المبادرة الفرنسية، تضع حدا خلال مدة محددة زمنيا ( 3 سنوات مثلا ) للاحتلال، وتقر بأن حدود 67 هي الخط الذي يتم التفاوض عليه، الثاني _ أن يواجه المحاكم الدولية. والثالث _ هو أن يواجه ليس حرباً في قطاع غزة، بل أن يواجه انتفاضة في الضفة والقدس، بما قد يدفع إلى انتخابات إسرائيلية مبكرة، تدفع نتنياهو إلى التقاعد المبكر.
أما "حماس" التي لم تحقق من حرب غزة، سوى ارتفاع في استطلاعات الرأي، سرعان ما ستتبدد مع الوقت، مقابل تدمير معظم ما كان لديها من أدوات تهديد ( الأنفاق والصواريخ )، فإنه لن يكون أمامها، إلا أن تقر فعلا بالانضواء تحت عباءة السلطة، وان تلتزم بالإستراتيجية الوطنية الفلسطينية، وان تعتبر أن تحقيق الوحدة الداخلية هو الإنجاز الأهم للحرب، وان تشارك في تحقيق الإنجاز السياسي القادم، وان تكف عن الاستمرار في وهم التحقق منفردة، وان تنسى الذهاب بغزة خارج سياق وحدة الحال والمصير مع الضفة الغربية، بل أن تتوقف عن الاعتقاد بان غزة هي "حماس" والضفة هي "فتح"، وان شعار "غزة تنتصر" يعني أن خيار الحركة هو الخيار المناسب، وما يعنيه ذلك من دعاية سياسية، فغزة لا تنتصر وحدها، بل تنتصر حين تنتصر القدس والضفة، لا تنتصر بكسر الحصار، بل بانتهاء الاحتلال وبحق العودة وتحرير القدس.
الكل الفلسطيني ينتصر، ولا شيء غير ذلك، والكل يعني أن لهذا الكل عنوان واحد، هو الرئيس الفلسطيني، لذا فانه حتى مفاوضات القاهرة، لا يمكن إدارتها، إلا بتقديم "حماس" للتنازل الجوهري والفعلي، وهو قبول العمل في الإطار الوطني، والخروج من درب العمل الفردي، خاصة فيما يتعلق بالسلطة الفعلية، وبالتحديد ما يخص قرار الحرب والسلم.
سبع سنوات وثلاث حروب، لابد أن تكون كافية لتبديد الوهم، ولابد أن تكون كافية لتبلغ حركة حماس سن الرشد السياسي، فتتوقف عن وهم أنه يمكنها أن تحقق هدف الاستقلال بغزة، دون اتفاق سياسي مع إسرائيل، حتى لو كانت لإسرائيل مصلحة في هذا، لدفن مشروع دولة غزة والضفة، لأنه مجرد أن تذهب "حماس" في هذا الطريق، ورغم أنها قد تحقق شيئا لها، وحتى لأهل غزة، لكن كل الشعب الفلسطيني الذي يريد تحرير الضفة والقدس والذي يريد حق العودة، سيقف ضدها، وسيسقط مثل هذا الاتفاق، حتى لو جاء على شكل توافق، والشعب الذي أسقط "أوسلو" لم يفعل ذلك من اجل بديل أسوأ، لذا فلن يقبل احد بدولة في غزة، إلا كرافعة وكمنصة إطلاق للمشروع الوطني، وليس كبديل له. 123

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد