منذ نهايات عهد أوباما، يمكن للمتابع للشأن الإسرائيلي أن يلحظ، بوضوح غلبة الطابع الاستيطاني الإسرائيلي، وتمحور الأداء الحكومي الإسرائيلي، حول طرح وتنفيذ الخطط الاستيطانية الجديدة. كان آخر تلك المشاريع الخطرة، مصادقة لجنة التنظيم والبناء المحلية في بلدية القدس الغربية، على خطة بناء ١٨١ وحدة استيطانية في مستوطنتي، «جيلو» و«رمات شلومو»، في القدس المحتلة. وكانت اللجنة ذاتها، صادقت على بناء ٥٦٦ وحدة استيطانية، ومن ثم ١٥٤ وحدة استيطانية أُخرى، في مستوطنات في القدس. كما صادقت اللجنة الفرعية لشؤون الاستيطان، على بناء ١١٦٢ وحدة استيطانية في الضفة الغربية. تتالي وسرعة هذه الإجراءات، توحي وكأن حكومة نتنياهو، تسابق الزمن، وتجعل من الاستيطان محوراً لنشاطاتها كافة والإيحاء وكأن ترامب وإدارته، يوافقان موافقة كاملة وتامة، على النشاط الاستيطاني الإسرائيلي.
الأمر الذي بات يستدعي، استنهاض قوى المجتمع الدولي، الرافضة للاستيطان، والتي ترى فيها اغتيالا لفكرة «الدولتين» الى تحويل رفض وإدانة الاستيطان الى فعل حقيقي، من شأنه إرغام حكومة الاحتلال على وقف تصعيدها الشامل.
في هذا السياق، رأت حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني، بأن عمليات البناء الاستيطاني الأخيرة، تُعد تحدياً سافراً للمجتمع الدولي، وتثبت أسلوب الإدانة والاستنكار دون التحرك الفعلي، الملزم لإسرائيل.
ما ترمي إليه الإجراءات الإسرائيلية الاستيطانية الأخيرة، هو فرض وقائع ميدانية، من شأنها الحيلولة دون « حل الدولتين» من جهة، وتهويد الضفة الغربية بصمت وإقرار دولي، ولعل ما يشجعها على ذلك، التراخي الدولي، والتردد العربي، وضعف المقاومة الفلسطينية لما يجري ميدانيا.
في هذا السياق، دعا الرئيس محمود عباس الدول والمجتمع الدولي، الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية كونها تعترف بحل الدولتين، وهي تعترف بإسرائيل دون الاعتراف بفلسطين، ولعل في ذلك التقاطاً للحلقة المركزية.
في أتون الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ما يجعل فلسطين دولةً معترفاً بها، وتقع تحت الاحتلال، فهي من الناحية السياسية دولة قائمة، أما فيما يتعلق بالجغرافيا، فهي مسألة وقت، لإنهاء الاحتلال لأراضي دولة أُخرى.
التحرك الدولي الراهن، مهم جداً، وتجسيد مقررات مؤتمر باريس الدولي، أمر تستوجبه مقررات الشرعية الدولية، ولعل ما جرى في باريس من لقاءات ما بين الرئيسين الفلسطيني والفرنسي، من شأنه فتح الطريق أمام ذلك.
من جهة أخرى، فإن بلورة الموقف العربي الرسمي، ازاء ما يجري من مشاريع استيطانية شديدة الخطورة، ومن ثم التوجه العربي المشترك، للمجتمع الدولي، بات امراً شديد الأهمية، فالاستيطان بات يهدد السلام والأمن في الشرق الأوسط، عموماً، وبلورة الجبهة العربية المناقضة والمحارية ضد الاستيطان، بات ضرورة فلسطينية وعربية في آن معاً.
ما تتخذه حكومة نتنياهو من إجراءات استيطانية، بات أيضاً يستلزم مقاومة فلسطينية مؤثرة، وعلى مستوى الحدث. هنالك إجماع فلسطيني، على ممارسة المقاومة المدنية، وبمختلف الوسائل، لعل ابرز مهامها الآن، هو الاتفاق، على استراتيجية شاملة للمقاومة، تشارك بها فئات الشعب كافة، ووفق برامج واضحة تشمل نقاط الاحتكاك الفلسطيني - الإسرائيلي - الاستيطاني كافة وبمختلف النقاط الاحتكاكية، دون التورط في عمليات العنف والعنف الأقصى، وهذا ما يحتاج الى مرجعيات فلسطينية، متفق عليها، وعلى برامجها المعلنة، يبدو اننا في حالة سباق مع الزمن، وعلى المستويات كافة، الميدانية والعربية والدولية في آن.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد