191-TRIAL- غزة / صبا الجعفراوي/ سوا/ جلس الشاب "محمد" يتابع أخبار المهاجرين الفلسطينيين الغرقى سارحا بخياله للحظات، بأنه كان سيلقى المصير ذاته لو نجحت محاولاته بإتمام هجرته من قطاع غزة.
ولحسن حظ محمد أن المخابرات المصرية اكتشفت رحلة تهريبه وبعض العائلات والشباب من غزة وبلاد أخرى قبل وصولهم لميناء الإسكندرية المتواجد به المركب الذي كان سينقلهم للحياة والراحة الأبدية في أوروبا على حد قوله.
ويروي محمد الذي رفض ذكر اسمه الحقيقي لـ"سوا"، عن تفاصيل رحلته التي بدأت بعد أن علم عن هجرة بعض الشباب والعائلات خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، وقرر بعدها الهجرة من القطاع بعد انتهاء العدوان بيومين لصعوبة الأوضاع به، فتواصل مع أحد المهربين بعد أن تعرف عليه من خلال شخص مقرب.
ويتابع محمد في أواخر العشرينات من عمره قائلاً "اتفقت مع المهرب على دفع مبلغ 500 دولار مقابل إخراجي من معبر رفح وتسهيل ختم جواز سفري ليكون كل شيء قانوني، ومن ثم خرجت من معبر رفح إلى الإسكندرية مع مجموعة من الأشخاص بعد دفع مبلغ 2000 دولار، حيث كان ينتظرني هناك مهرباً آخر والذي أمن لنا شقة سكنية نجلس بها إلى حين موعد سفرنا بالمركب، وأثناء تحركنا من السكن المؤقت باتجاه الميناء فوجئنا بكمين للشرطة قام باعتقالنا والتحقيق معنا لمدة 16 يوماً".
وبعد أن وقعت حادثة غرق مراكب المهاجرين تراجع "محمد" عن قرار الهجرة نهائياً، شاكراً ربه أنه لم يلق نفس مصير المهاجرين المجهول حتى اللحظة.
واستقر الحال بمحمد بالعيش في غزة رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحصار الإسرائيلي المفروض منذ ثماني سنوات.
"محمد" كغيره من الشباب والعائلات وقع في شرك بعض المهربين الذين جمّلوا رحلات الهجرة في مخيلاتهم.
رواية المهربين
وفي تواصل هاتفي لـ"سوا" مع احد المهربين ذكر أن الرحلة تكلف الشخص الواحد ما يقارب 3200 دولار، تتوزع ما بين 700 دولار للمهرب من غزة لإخراج الشخص عن طريق أحد الأنفاق الحدودية مع مصر وختم جواز سفره، و 2000 إلى 2500 دولار للمهرب في مصر ثمنا لرحلة الهجرة في المركب عن طريق البحر إلى ايطاليا.
وحول تفاصيل الرحلة في البحر، قال المهرب "جشع المهربين في مصر وليبيا جعلهم يزيدون من حمولة المركب الواحد الذي يكفي فقط لخمسين شخصا، لكنهم يحملون ما يزيد عن 400 في المركب مما يعرضه لخطر الغرق، غير مهتمين بذلك فهدفهم هو جمع أكبر قدر من الأموال".
ويضيف المهرب الذي فضل عدم الكشف عن اسمه "من وسط البحر يتنقل المهاجرون من مركب إلى آخر ومن مهرب لغيره، لتكون محطتهم النهائية قبالة شواطئ إيطاليا الملزمين بمغادرتها بعد 72 ساعة بسبب القيود التي تفرضها الحكومة عليهم ما يدفعهم إلى التوجه إلى السويد وبلجيكا.
وكشف المهرب عن ظهور عمليات نصب واحتيال بحق المهاجرين من بعض المهربين في مصر، "فبعد أن يصل المهاجرين يتم تأمين شقق سكنية لهم وبعد أن يحصل المهرب على المبلغ المالي يبدأ بالتهرب من المهاجرين بحجة أنه لم يأت دورهم بالهجرة"
وقال إن الكثير من المهاجرين كانوا يتفاجئون بوصول قوات الأمن المصرية إلى شققهم واعتقالهم، مشيراً إلى وجود العديد منهم في السجون المصرية حتى اللحظة.
لم تشكل حوادث غرق المراكب رادعاً أمام بعض المواطنين في غزة، اذ يؤكد المهرب أنه لا زال العديد من العائلات والشباب يسجلون للهجرة حتى بعد حادثة الغرق وفقدان عشرات الفلسطينيين في البحر.
وعن بداية التوجه للهجرة "غير الشرعية" كما يصفها البعض، أوضح "المهرب" أنه الأمر بدأ خلال أيام العدوان على غزة بخروج عدد منهم ووصولهم إلى أوروبا، مبيناً أن جريمة إغراق المركب أدت إلى كشف ذلك، فبدأت وزارة الداخلية بملاحقة واعتقال عدد من المهربين في غزة.
الداخلية تعتقل المهربين
المتحدث باسم وزارة الداخلية بغزة إياد البزم أكد أنه تم اعتقال عدد من المهربين الذين ساهموا في خروج بعض الشباب من قطاع غزة عبر الأنفاق الحدودية، واعداً باستكمال كل الإجراءات الأمنية بحقهم والتحقيق معهم بالموضوع.
ولفت البزم لـ"سوا" إلى أن هذا الأمر في طريقه إلى الانتهاء بشكل كامل، مضيفاً أن حادثة غرق مراكب المهاجرين أدى لتفاقم الأمر.
واتهم البزم بعض وسائل الإعلام بتضخيم القضية، مشيراً إلى أن ما جرى هو خروج بعض الشباب من القطاع وليس هجرة.
وأضاف أن أمور كهذه تحدث على مدار سنوات طويلة بلجوء بعض المواطنين والشباب تحديداً إلى دول أوروبية، وبالتالي فقضية الهجرة غير مرتبطة بالعدوان على غزة والظروف الحالية.
وحول أنفاق التهريب، قال المتحدث باسم الداخلية إنه تم السيطرة بشكل كامل على جميعها والمناطق الحدودية مع مصر، "وما جرى هو تنسيق ما بين مهربين من غزة وآخرين مصريين على إعادة فتح نفقين لتسهيل خروج المواطنين، ولكن الجيش المصري أعلن عن تدمير جميع الأنفاق ولم يعد لها وجود".
وأضاف البزم أن الفلسطينيين الذين كانوا على متن القوارب التي خرجت باتجاه شواطئ ايطاليا وغرقت في البحر، لم يخرجوا جميعهم من القطاع في الأيام الأخيرة، بل جاء البعض منهم من سوريا ومصر، موضحاً أن الأمر لن يتوقف وسيحاول بعض الشباب الحصول على لجوء في أوروبا، ولكن سيبقى بشكل رسمي عن طريق معبر رفح.
ولم تقتصر الهجرة من غزة على الشباب فقط، بل لوحظ مؤخرا خروج بعض العائلات في قوارب الهجرة، حيث ذكر رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده إحصائية تقريبية لعدد المهاجرين الفلسطينيين على مراكب الهجرة، تشير إلى خروج نحو 1800 مواطن بينهم ما يقارب 1300 مواطن خرجوا من قطاع غزة ما بين شباب وعائلات.
وتعرض القارب الذي كان يحمل على متنه 400 شخص، لاصطدام مباشر بشكل متعمد من سفينة شحن اسفر عن غرق الكثير ونجاة آخرين وفقدان عدد آخر لم يعرف مصيرهم حتى اللحظة، حيث أكدت الجهات المختصة نجاة ثمانية مواطنين فلسطينيين فقط.
وذكرت السفارة الفلسطينية بدولة اليونان أن السفينة قد أُغرقت عمداً، وقالت في بيان لها "إن السفينة تعرضت للإغراق عمدا، في إطار ما وصفته بتنافس عصابات الموت والمهربين".
البحث عن المفقودين
وحول مصير المفقودين تتابع جهات مختصة أمرهم ومن ضمنهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي فتحت أبوابها لفتح طلبات بالبحث عنهم، حيث بينت المتحدثة الإعلامية باسم اللجنة مسعدة سيف أنهم استقبلوا طلبات من ذوي المفقودين بعد أن تم فتح باب التسجيل بصورة رسمية عقب وقوع حادثة غرق المراكب وفقد عشرات المواطنين الفلسطينيين المهاجرين.
ودور الصليب الأحمر كما أوضحت سيف، هو التواصل مع شركائهم والمؤسسات المختلفة المهتمة بالموضوع لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات والتفاصيل حول المفقودين وتقصي آثرهم، بهدف طمأنة ذويهم وهو ما تعمل عليه اللجنة من الناحية الإنسانية.
وذكرت المتحدثة بأن عمليات البحث والتقصي ما زالت مستمرة، حيث لم تصل اللجنة لأي معلومات حول أي مواطن مفقود، ودعت جميع أهالي المفقودين بالتوجه إلى مقر الصليب الأحمر في غزة لتعبئة طلب بحث وتقصي أثر المفقودين لتتمكن اللجنة بجمع معلومات عنه.
وضع غزة الكارثي تسبب بتفكير العديد من الشباب وبعض العائلات في الهجرة "غير الشرعية" إلى الدول الأوروبية، أملا بحياة ومستقبل أفضل غير آبهين بمدى خطورة تلك الرحلة التي أطلق عليها الكثيرون اسم "رحلة الموت" التي لا تحمل في طياتها سوى "المجهول".
135