225-TRIAL- اقتلوا غزة إن شئتم أو ارموها في غيابة الجب وقولوا إن الذئب أكلها فهي تستحق أكثر من الموت لأنها زائدة دودية في جسد الأمة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، لا تأبهوا لحزنها وجرحها وأنينها المكبوت من الطعنات التي لم تتوقف، فلم يبق في جسدها متسع لوخز إبرة حتى..
نكلوا بها كما شئتم، فالموت من أمامها ومن خلفها وعن يمينها وعن يسارها بعد أن احترقت فيها كل مراكب الحياة ولا مفر إلا الموت ولا سبيل إلا في اختيار شكل النهايات .. موت صارخ تحت ركام بيت، أو موت صاخب بصاروخ يطيح بكل العروش والجيوش والضمائر التي تقف متفرجة على مأساتها، أو موت هادر وسط أمواج عاتية هناك بعيدا في البحار، أو موت خافت، وليس مهما هنا الفرق، المهم أن الموت أصبح رفيق دربها الذي يلاحقها في كل الأزقة والشوارع وبين الأمواج، يموت أهل غزة حين يبقون في غزة ويموت أهل غزة في طريقهم للهروب من غزة.
موت في البر، وموت في البحر، موت من السماء وموت من الماء ولا سفينة نوح تحط على جبل النجاة ولا حمامة ولا غصن زيتون بل سيف يشهر ملاحقا رقاب أهل غزة إن انتظروا وإن رحلوا وإن هربوا وإن عادوا وإن عاشوا وإن عملوا وإن عاثوا وان عاموا ..
فقد أصبحت الحياة مجرد لعبة عابثة في غزة تشبه عبث الهروب إلى المجهول من جحيمها يزداد لهيبه وأصبح يحرق كل شيء فيها والعذاب يكبر بلا توقف، عذاب من المياه وعذاب الكهرباء وعذاب من المعابر وعذاب من خلاف المنابر وكل شيء تحول إلى معاناة إنسانية لا ينطبق عليها سوى أن نكتب على بواباتها عنوان رواية فيكتور هيجو الشهيرة.
لم تحلم غزة بأحد عشر كوكبا، بل وسعت أحلامها بإحدى وعشرين عاصمة كانت تعتقد أنها تحمل لها النور، كلهم خذلوها وقدموها للذئب بلا رحمة كان عليها ألا تحلم أكثر مما يجب أو أن تدفن حلمها لكنها أفشت سر العواصم .. ولكن قبل أن تلوم المدن عليها أن تدفع ثمن جنونها حين أطلقت النار على أقدامها قبل سبع سنوات فالتاريخ لا يرحم ولا يقبل اللعب بنار السياسة فاحترق سياسيوها ومغامراتهم ثم انتقل الحريق إلى أهلها جميعا.
ماذا يعني أن يموت خيرة شبابنا هناك بين أمواج بعيدة ماذا يعني أن يصبح أبناء شعبك طعاما للسمك، إنها لحظة البكاء على شعب ووطن لا يحكمه سوى العبث والفشل الذريع ولا شيء يعيد لغزة جزءا من كرامتها المفقودة، إنها لحظة العاطفة التي تندلق حزنا على الصور التي تأتي تباعا وتقطع القلب، يا الله كيف ذهبوا إلى هناك إلى مغامرة الموت وهم يعرفون أنه بانتظارهم؟ وكيف حملوا أطفالهم؟ من أخذهم؟ ولكن الأهم من دفعهم ومن الذي حكم عليهم بالرحيل قسرا؟ فقد اختاروا الموت لأنه يشبه الحياة هنا في غزة، من المسؤول عن هذا العبث الذي امتد طويلا؟ كلهم وكلنا، كلهم لأنهم مارسوا غرائزهم على جسد غزة المنهك ولم يحتملوا بعضهم فانداست غزة بين أقدامهم، ومنذ التاريخ ذلك الأسود لم يبق فيها سوى البطالة والجوع والحصار والمرض والفشل وليس الموت في البحر سوى الإعلان عن كل ما هو موجود في غزة.
السلطة تركت الناس هنا بلا رحمة، و" حماس " أرادت أن تتعلم تجربة السياسة على جلود أبنائها، وباقي الفصائل كانت مجرد كومبارس، كل أدى دوره بهدوء شديد، هل يعرف المسؤولون من كل الفصائل أن أهل غزة انتخبوهم من أجل حياة كريمة لا من أجل نزع كرامتهم كلهم أينما كانوا، شيبا وشبابا؟ نحن بلا كرامة يا سادة السياسة وشعبنا لم يعد يصرخ من شدة الألم.
من المسؤول عن الكارثة التي حلت بهذا الجزء الزائد من الوطن هل النظام السياسي ممثلا بالفصائل أم الشعب الذي انتخب هذه الفصائل؟ فالاستطلاعات تشير إلى أن التغيير سيكون طفيفا لو أجريت انتخابات مستقبلية .. من المسؤول إذن؟ أحجية بحاجة إلى حل ولكن إلى حين حلها لا ندري كم سيلتهم حريق غزة المستعر، كثيرون يقولون انتخبنا ولكن لم نعرف هذه النتيجة وانتخبنا لأربع سنوات .. على اعتبار أن أحزابنا من السويد، يستوي هذا المنطق مع العقل.
قوائم الموت لم تتوقف حتى بعد أن انتهت الحرب، كأن أهل غزة لا يموتون فرادى بل جماعات غرقى ومفقودين، وعائلات لا تريد أن تصدق تنتظر مكالمة عابرة تعيد لها الحياة أو تعيدها لمن أصبحوا طعاما للأسماك، شعبنا الجاهز دوما لدفع فاتورة الدم، هذه المرة كان على البحر أن يكون قرصانه الجديد لا ساحة القراصنة القدماء، شعبنا الموزع على أسرة مستشفيات الدول وكأنه ترك للقدر أن يعالج مأساته التي تكبر.
عبر أحد المواطنين أثناء العدوان على غزة حين سأله صحافي بما يلخص مأساة غزة عندما سئل ماذا تريدون أجاب، "نريد أن تستمر الحرب حتى تقتل مليونا وثمانمائة ألف موجودين هنا لترتاح إسرائيل وترتاح (حماس) وترتاح السلطة ومصر والجامعة العربية وأميركا مرة واحدة وإلى الأبد..".
لم يهرب الغزيون خوفا من إسرائيل والتجربة الطويلة تثبت ذلك ولكن هذه الهجرة الجماعية التي تنتهي بالموت بسبب العجز والفشل في إدارة وقيادة مصالحهم واقتصادهم وبسبب الجوع وقلة العمل وانعدام الأمل والفقر المدقع وآخرها الحروب المتكررة وأزمة الإعمار وحيث الشعور باللاجدوى من الحياة فيها، والمحزن أن البعض يدين ضحايا الهجرة من وطنهم، هذا البعض الذي أمن لنفسه أو أن حزبه أمن له فرصة للحياة، فالناس تعشق أوطانها لكن الهجرة من الأوطان هي الوجه الآخر للفساد السياسي والعجز الإداري والفشل.
فهذا الجزء من الوطن، وهذا الجزء من الشعب تحت طائلة التنكيل والإذلال والإهانة محاصر جائع بلا مياه أو كهرباء أو معابر أو حياة أو سترة نجاة دون مساعدة من أحد، على "حماس" أن تتوقف طويلا أمام تجربتها وأن تفكر أطول فهي لا زالت تحكم غزة عملا بمقولة، "تركنا الحكومة ولم نترك الحكم" وبعد أن تعثرت كل الشياه.. وعلى السلطة أن تفكر أنها مسؤولة عن الناس في غزة وبإمكانها أن تجد حلولا فالناس الذين أدمتهم ويلات الحروب والحصار ليسوا مستعدين للحياة أو للموت في غزة أو في البحر تحت عجلات الخلاف بين الفصائل وتجاربها الفاشلة والمكلفة من أرض ودم ودموع ومعاناة وجوع وبكاء .. كفى ..!!
Atallah.akram@hotmail.com
217

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد