وصلت وفود الفصائل الفلسطينية إلى موسكو يوم السبت الماضي، وعقدت مفاوضات تهدف إلى إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية . ولم يُرافق هذه الجولة من المفاوضات أي اهتمام إعلامي أو شعبي، فالإعلام ملَّ من إعادة تكرار نفس المشهد بخلفيات مختلفة، والشعب فقد الثقة بجدوى تلك اللقاءات متأثراً بقصة الراعي والذئب المشهورة، وحتى الوفود المشاركة في جولة مفاوضات موسكو تعرف قبل غيرها بعدم جدواها العملية... وإذا كان الأمر كذلك والقناعة بعدم فائدة هذه الجولات واللقاءات راسخة عند الجميع، فلماذا إذن ذهبت تلك الوفود الفصائلية إلى موسكو ؟!
وقبل الإجابة على هذا السؤال – غير البريء – نُذّكر بالملاحظات الآتية :
أولاً : إن الفلسفة التي هيمنت – ولا زالت – على مفاوضات المصالحة بين حركتي فتح و حماس هي : التقاسم الوظيفي، والمحاصصة السلطوية، وإدارة الانقسام، ويؤكد ذلك ما طُرح مؤخراً من إقامة فيدرالية بين غزة والضفة . والمطلوب هو تغيير هذه الفلسفة لترتكز على إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني برمته منظمة وسلطة وفصائل ومجتمع مدني على أساس استحقاقات مرحلة التحرر الوطني والاتفاق على خارطة طريق وطنية للخروج من المأزق الفلسطيني الحالي .
ثانياً : إن الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية المُحدد لها في اتفاقية أوسلو في جانبيه الأمني والمدني والمتمثل في إيجاد شريك فلسطيني يُساهم في حفظ أمن الاحتلال والمستوطنين وفي إيجاد إدارة مدنية فلسطينية تُريح الاحتلال من أعباء تُحمّل عبء السكان وإدارة شؤونهم، وهذا الدور يقف عقبة كأداء أمام اندماج أي طرف فلسطيني لا يؤمن بمشروع أوسلو للتسوية في المنظمة والسلطة، والمطلوب هو تغيير الدور الوظيفي للسلطة والفكر السياسي للمنظمة ليتخلّص من إرث أوسلو ولتصبح وظيفة السلطة مرتبطة بالمشروع الوطني الفلسطيني المتمحور حول التحرير والعودة والاستقلال .
ثالثاً : إن الانقسام الفلسطيني أصبح له تراث عميق متراكم سياسي وثقافي واجتماعي ونفسي زاد من عمقه المناكفات السياسية المتقابلة، والردح الإعلامي المتبادل، والتعبئة الحزبية المتعصبة، والتثقيف السياسي العدائي، والرواية التاريخية المتناقضة، واستخدام مصطلحات شيطنة الآخر، واللجوء أحياناً إلى إخراجه من الصف الوطني بتخوينه، أو من الصف الإسلامي بتكفيره... عززت جميعها الكراهية والحقد والعداء، والمطلوب هو وجود جهد ثقافي موازي للجهد السياسي لإزالة آثار الانقسام النفسية والثقافية والاجتماعية والوجدانية من النفوس والقلوب والعقول .
رابعاً : إن التجربة السابقة اثبتت أن المهم ليس التوّصل إلى اتفاقيات لإنهاء الانقسام، بل تطبيق هذه الاتفاقيات فعلياً على الأرض، فقد سبق وتوصل طرفي الانقسام إلى اتفاقيات عديدة في القاهرة والدوحة ومكة وغزة، ولكنها لم تُطبق، كما أن التوّصل إلى اتفاقيات تتضمن خطوط عامة اصطدمت بشيطان التفاصيل بل بألآف الشياطين المتربصة على أزقة متاهات التفاصيل، وبالتالي فالتوصل إلى اتفاق في موسكو لن يخرج عن هذه القاعدة، والمطلوب هو توّفر إرادة سياسية جادة لمغادرة قطار الانقسام والركوب في قطار الوحدة .
وبناء على هذه الملاحظات السابقة يبدو أن المصالحة لا زالت بعيدة المنال، وحتى ذلك الحين الذي تتوّفر فيه مُعطيات وشروط إنهاء الانقسام، فإن أمام وفود الفصائل الفلسطينية المتواجدة في موسكو فرصة جيدة للتسوّق في موسكو وزيارة الأماكن السياحية الجميلة. على أمل وجود فرصة أخرى للتسوّق والسياحة في عاصمة أخرى أبعد من موسكو وأكثر بُعداً عن المصالحة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية