177-TRIAL- لأكثر من شهر ونصف و غزة صامدة، ما يؤكد روحها القتالية العالية... وقد تعرض الشعب الفلسطيني خلال هذه الفترة، إلى مئات الأطنان من المتفجرات، أو ما يعادل 6 قنابل نووية. ما تعرضت له أحياء غزة من دمار طال الإنسان والبناء والبيئة والقطاعات الاقتصادية لم تكن لتحتمله عواصم عالمية مثل باريس أو لندن أو برلين في الحربين العالميتين.. وما تبقى من مبان كأثر تاريخي شاهد على الحربين العالميتين لا يذكر بما حل في قطاع غزة من دمار واستهداف للمدنيين بحيث محيت عائلات بأكملها من السجل المدني.
ولكن كما في كل الحروب كانت هناك نتائج وآثار سياسية.. وحتى أن مفاهيم النصر أو الهزيمة في النهاية كانت تفرز ما يصب في مصلحة الشعوب وتنمية الدول.
في الحالة الفلسطينية يبدو أن الأمر مختلف تماماً.. ربما لاختلاف شكل العدوان أو المعتدي.. ولأن الحالة الفلسطينية أيضاً نادرة لعدم وجود قدرة على صياغة قرار مركزي قابل للتنفيذ.
وإذا ما تحدثنا بصراحة، فإن الوفد الفلسطيني وإن كان شكلاً موحداً برئيس وأعضاء يمثلون القوى والتيارات السياسية المؤثرة.. فإن القرار الأساسي كان بين يدي قيادة "القسام".. بمعنى آخر مدى التحرك السياسي للوفد كان محدوداً نوعاً ما.. وإن كانت هناك خطوط عريضة التزم الجميع بها.
لنعد إلى الخلف قليلاً، فعندما طرحت مصر مبادرتها الأولى.. وافقت الرئاسة الفلسطينية عليها كإطار للحل.. وكان يمكن التفاوض على بنودها كأي عرض آخر.. ولكن رغم موافقة الرئاسة فإن القرار كان في غزة وليس في رام الله .. وكان الثمن باهظاً.
وللمرة المائة وبعيداً عن دوائر التشكيك والتخوين، فإن ما دار حقيقة في القاهرة.. وما قبِل به الوفد الفلسطيني لم يكن أكثر من الخطوط العريضة للمبادرة المصرية الأولى.. حتى ما قيل عنه مبادرة قطرية ـ تركية لم يكن أيضاً خارج هذا النص، فما الذي حصل إذن؟! ومن يتحمل مسؤولية المأزق السياسي؟.
ممتاز، انتصرنا، ونحن مع هذا النصر، وهزمت إسرائيل.. هذا ما نتمناه، ولتذهب دولة الاحتلال وقياداتها وأحزابها العنصرية إلى جهنم.. ولكن يجب أن تقطف ثمار هذا الانتصار، كيف؟ وبأي وسيلة؟ وما هي النتائج التي سنحصدها؟.. هذا يتوقف على القيادة السياسية.. المقسمة أيضاً..
إن تجدد العدوان وانهيار التهدئة التي لم تثمر بالمطلق.. جاء بخدعة إسرائيلية لتحقيق الإنجاز وهو حملة لاغتيالات بحق قادة "القسام".. وهذا ما تحدثنا عنه في مقال قبل ثلاثة أسابيع حول بحث القيادة السياسية في إسرائيل عن إنجاز تسوّق به عدوانها والذي أظهر بنسبة ما مأزقنا السياسي.
لا شك في أن طلب الناطق باسم كتائب القسام من الوفد الفلسطيني مغادرة القاهرة.. كأن خطأً سياسياً قاتلاً أثار الاستغراب وحتى الاستهجان لأن من يطلب من الوفد المغادرة أو أن يعود إلى القاهرة وغير ذلك هو القيادة السياسية.. أي بمعنى أوضح الرئيس.. فلماذا هذه الأخطاء ولمصلحة من جرّنا جميعاً إلى مربع الانقسام وإن كان بطريقة غير مباشرة.
خلاصة الأمر، أن لقاء الرئيس مع خالد مشعل في الدوحة يهدف بالأساس إلى بحث مأزقنا السياسي وأسبابه وكيفية تجاوز هذا المأزق.
ما تناقلته الصحافة عن أن اللقاء بحث في التهدئة ووقف العدوان يأتي في معظمه من باب الأخبار الصحافية.. ولكن الرئيس في هذه المرة وحسب مصادر متعددة ذهب من أجل حسم الأمور.. بمعنى: هل نحن شركاء؟ وهل وحدتنا حقيقية؟ وما هي مستحقات هذه الشراكة، هل تقبل حماس بوحدة القرار وكيف يتم تحقيقها على الأرض؟ وكيف تدار الأزمة، وما دور القيادة فيها، وهل تنصاع كافة القوى إلى مصالح الشعب، وتبتعد عن المحاور الإقليمية؟ وما يدور في غزة ليس العدوان فقط، ولكن أيضاً الحديث بصراحة عن استهداف كوادر وقيادات حركة فتح من خلال الاغتيال المباشر أو غير المباشر.. من فرض الإقامات الجبرية، خاصة في مناطق خطرة.. ومثال ذلك استشهاد عدد من كوادر الحركة في حي الشجاعية ممن فرضت عليهم الإقامة الجبرية.
بمعنى آخر، الرئاسة تريد إجابات واضحة وقاطعة لأنه لا يمكن بالمطلق الاستمرار في النهج السابق.. لأنه إما أن تكون هناك شراكة حقيقية ووحدة واقعية.. أو لا تكون. وبناء على الإجابات من قيادة "حماس" ستكون الرؤية المستقبلية.
وإذا كنا نبحث عن تحقيق مكاسب سياسية بحدها الأدنى تلبي احتياجات شعبنا الفلسطيني وتعبر عن حجم الدمار والدماء التي نزفت.. فإنه لا بد من قرار سياسي واحد.. وعدم التشكيك.. والتوقف عن التخوين.. ولجم الإعلام الجماهيري الساذج والمرتبط بالإشاعة.. والتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني ووحدة قضيته دون تجزئة أو مسارات متعددة؛ لأن هذه هي الطريق الوحيدة للخروج من مأزقنا السياسي.
abnajjarquds@gmail.com 56

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد