136-TRIAL- ما أكثر ما كتبنا عن الجرائم الصحفية في ألفيتنا الثالثة، فالكاميرات التي تُصوِّر أشلاء الجثث، وقتل الأبرياء وقطع رؤوسهم وإعدامهم بالصوت والصورة، بدون مونتاج وتعديل، تدخُل ضمن جرائم الصحافة، على الرغم من أن كثيرين نحتوا لها مسوغات، منها فضح المجرمين، ومطاردتهم قضائيا!
ليس من المبالغة القول إن استغلال الأطفال القاصرين للحصول على قصص صحفية مُربحة، جريمة أخرى لا تقل عن صور الأشلاء والقتل والذبح. وهذا للأسف ما حدث في غزة في ذروة الحرب في شهر يوليو وأغطسطس 2014 ، فقد عاد كثيرٌ من الصحفيين إلى ارتكاب الأخطاء نفسها التي ارتكبوها في السابق!
وما أزال أذكر يوم 17/6/2006 عندما افترسَ الصحفيون الطفلة القاصر، هدى أبو غالية، التي اغتالت قذيفة مدفعية أسرتها على شاطئ بحر غزة ، فقد استضافت إحدى المذيعات المشهورات الطفلة هدى، ومعها طبيبٌ نفسيٌ مشهور أيضا ، فأقرَّ الطبيبُ النفسيُ، أن الطفلة الموجودة إلى جواره مصابة بحالة (ما بعد الصدمة)، وهي حالة خطيرة ، ودلل على صحة تشخيصة ،أنها لا تتكلم كثيرا، وهي أيضا تتبول في ثيابها أثناء النوم.... ! وتُعزِّز المذيعةُ أقوال الطبيب قائلة :
هل من المستحيل إعادة تأهيلها، وسألتها المذيعةُ عن مصدر القذيفة ، وهل رأتْها بأم عينيها من البر ، أو من البحر! ولم يبقَ إلاّ أن تسألها المحاورة المشهورة عن معنى [توازن الرعب] في الساحة الفلسطينية وعن الديماغوجيا السياسية ، وعن علاقة روسيا بأمريكا، وعن إقليم بيافرا وكسوفو !!
بعد ثماني سنوات من قصة هدى أبو غالية، يستضيف صحفيٌ آخرُ طفلةً أخرى ، فقدت والديها، بعد مجزرة الشجاعية يوم 10/8/2014 ويُخضعها الصحفيون مرة أخرى للاستجواب في لقاء يُقطِّع القلوب، ويسألها الصحفي: 
هل اشتقتِ للشهيدين، أمك وأبيك؟!!!!!
وقام بعض الصحفيين أيضا بأخذ لقطات وكلمات من طفلة صغيرة مصابة بعدة كسور، وهي ترقد في المستشفى، وأخضعها الصحفي أيضا للاستجواب، فسألها عن الحادثة التي أفقدتها أربعة من أهلها، ولم يكتفِ بذلك بل طالبها بالتعبير عن شعورها بفقدانهم، وسألها عن مستقبلها أيضا، فاحتارت الطفلة، ولم تجب!!
هناك فرقٌ بين القصة الصحفية المشوقة والمؤثرة، وبين القصة التي تسيءُ إلى المشاعر وتشوِّه الطفولة.
ولا أزال أذكر قصة الصحفي المنتحر ،كيفن كارتر، صاحب أشهر صورة مؤلمة في عالمنا، وهي صورة طفل سوداني عارٍ، هزيل من الجوع، وعلى بُعد أمتار منه يقف نسرٌ، يتربصُ به ليأكله !
أنتحر الصحفيُ، كيفن كارتر، لأنه فضل الخبطة الصحفية على إنقاذ طفل بريء، ولأنه لم يستطع تقديم العون للطفل الضحية، فقد فضَّل الحصول على جائزة بوليتزر على إنقاذ الطفل، وهذا ما دفعه للاكتئاب ثم الانتحار!!
إنَّ الصحافة مهنة سامية، وليست مهنة تجارية! فكل مواثيق الشرف الصحفية في العالم لا تُبرر استجواب القاصرين أمام الكاميرات لغرض إثارة العواطف، وإبراز معاناتهم،للحصول على المكافآت والجوائز!! 80

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد