183-TRIAL- شئنا أم أبينا، فإن "التفاوض" غير المباشر، أو بالواسطة المصرية، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي يجري منذ نحو أسبوع، إنما يتم دون إطلاق النار، وبعد التوقف الفعلي لها، على الأقل، وفق اعتبارين: الأول، بعد الانسحاب الإسرائيلي من حالة التوغل، او العملية البرية التي أعقبت الغارات الجوية، وهي الفصل الثاني الأشد وقعا في سلسلة الحرب الثالثة، أو الحلقة الثالثة من الحرب بين غزة وإسرائيل، والثاني، في ظل التهدئة الإنسانية، التي تم تمديدها اكثر من مرة، والتي أظهرت ان صخب الحرب قد خفت، وإن لم ينته تماما، على الأقل في مظهره المزدوج، المتمثل بإطلاق الصواريخ، وان كانت اقتصرت على قصيرة المدى، وعودة شن الغارات الجوية الإسرائيلية والتي أسقطت شهداء إضافيين، خلال الأيام الماضية.
المهم في الأمر، انه ورغم أن الوفد الفلسطيني موحد، أي أنه ينطوي على عامل القوة المتمثل بوحدة الموقف السياسي والميداني بين كافة الفصائل السياسية والعسكرية، إلا أن بدء التفاوض، بعد إعلان إسرائيل انتهاء العملية البرية بتحقيق أهدافها منها، والمتمثلة حسب الإسرائيليين بتدمير الأنفاق العسكرية الهجومية، والتي قالوا إنها كانت 32 نفقا، وكذلك تدمير معظم القوة الصاروخية، بعد إطلاق اكثر من نصفها وتدمير بعضها على الأرض، فإن إسرائيل نجحت عمليا في فصل التفاوض من أجل التهدئة أو الهدنة عن مسار المجابهة العسكرية، والتي كانت خلالها، تحت ضغط شديد، ان كان ذلك المتمثل بقوة الاحتمال الشعبي الفلسطيني للخسائر في الأرواح والمنشآت، كذلك في القدرة على التحدي العسكري باستمرار إطلاق الصواريخ، بل وفي المواجهة الميدانية، خلال العملية البرية، وإلحاق الخسائر البشرية في صفوف جنود العدو.
يمكن القول إن وضع إسرائيل أفضل، فهي ترسل وفدها للقاهرة لكسب الوقت، وتمرير تهدئة أمر واقع، من خلال تتابع التهدئات الإنسانية المؤقتة، وبالتدريج هي تجر الفلسطينيين الى تفاصيل المفاوضات، فهي لا تغلق الأبواب، بهدف تحقيق حالة "الهدوء مقابل الهدوء"، لكنها تنتقل وفي كل بند من الخطوط العامة إلى التفاصيل، التي تكمن فيها الشياطين، ولإسرائيل قدرة فائقة في الدخول الى فصول تفاوضية لا تنتهي.
وهي بذلك ـ أي إسرائيل ـ لن تكون مضطرة لأن ترضخ، بعد ان تكون التهدئة قد حدثت بالفعل على الأرض، وبعد ان تكون قد حققت، وفق ما تقول أهدافها من العملية العسكرية، إن كان بقطع الطريق على الانتفاضة الثالثة في الضفة و القدس ، او بتدمير القوة العسكرية الفلسطينية بغزة، او معظمها، والمتمثلة بالأنفاق والقوة الصاروخية، ولو جرتها مجددا المجموعات العسكرية ـ وهذا في أسوأ تقديرات الإسرائيليين لتجديد الحرب ـ فإنها ستستمر في الرد على إطلاق الصواريخ بالغارات الجوية، وان صعدت غزة، بتوجيه صواريخها للإسرائيليين، أي لو حدث وان أوقعت الصواريخ قتلى اسرائيليين فإن إسرائيل يمكنها ان تصعد باستهداف قادة " حماس " السياسيين والعسكريين وهي ستتمتع هذه المرة، بتأييد ودعم دولي أكثر مما كان عليه الحال خلال الشهر الماضي.
كان يمكن أن يكون الموقف الفلسطيني أقوى، بعد الغارات الجوية والقصف الصاروخي، وقبل العملية البرية التي أوقعت معظم الدمار والضحايا، وكانت حينها تمتلك غزة معظم الأنفاق والقوة الصاروخية، لكن مراهنة "حماس" على إيقاع الخسائر البشرية في صفوف العدو الإسرائيلي خلال العملية البرية، وتأليب العالم على إسرائيل كرد فعل على المجازر بحق المدنيين، ما يدفع نحو تحقيق المكاسب السياسية التي تعيد ثقة الجمهور الفلسطيني بـ"حماس" كحركة سياسية قائدة، كذلك ربما كان تدخل حلفاء "حماس" (تركيا وقطر) سببا في تفويت تلك الفرصة، لكن وحيث ان ما حدث قد حدث، فإنه يجب عدم المراهنة على إسرائيل، بل وعدم توقع إمكانية التوصل معها الى "اتفاق أمني" وان كان لديها الاستعداد لأن تذهب الى اتفاق سياسي، ما دامت السلطة هي التي على الطرف الآخر، حيث يمكنها ان تحول المفاوضات الأمنية الى مفاوضات سياسية، تنتهي بكل مظاهر الحرية والاستقلال لغزة، بما في ذلك المطار والميناء، شرط ان لا يؤدي ذلك الى فصل غزة التام عن الضفة، والى ضمان الجانب الأمني على الأرض، فإسرائيل لا تثق فيما يخص الأمن بالاتفاقيات ولا بأي ورق ولا حتى بالأفراد ولا الأحزاب مهما بدت صديقة أو معتدلة او ما شابه ذلك.
برأينا، انه يتوجب على الجانب الفلسطيني، أن يشرع في ملاحقة إسرائيل قضائيا، كذلك البدء في مشاريع إعادة إعمار غزة فورا، و فتح معبر رفح مع مصر، ومطالبة إسرائيل بالالتزام باتفاقيات المعابر التجارية السابقة، ثم الطلب من الأمم المتحدة التعامل من غزة كجزء من دولة فلسطين العضو المراقب في المنظمة الدولية، بما في ذلك المطالبة بوجود قوات دولية على الحدود مع إسرائيل، وفي البحر، للحفاظ على الحق الفلسطيني في المياه الإقليمية وفي حقول الغاز، وفي الأجواء، فما دامت القوى كلها تجمع على المطالبة بكسر الحصار عن غزة، فيمكن متابعة ذلك بالقفز عن الإسرائيليين، وتطوير الموقف بعدم ربط مصير غزة بالكامل بمصير الضفة، كما كان الموقف العام 2005، حيث يمكن فعلا لغزة أن تحقق حريتها الكاملة وتحررها التام من الاحتلال الإسرائيلي، بالفصل المدني والتجاري، أي بإغلاق المعابر التجارية مع إسرائيل مع فتح معبر رفح والمطار والميناء، حتى لو كان ثمن ذلك الاكتفاء بالسلاح الدفاعي، وتحويل المجموعات المسلحة في غزة الى جيش دولة فلسطين الوطني.
ثم لابد من رفع شعار واضح وصريح وهو: أن قرار الحرب، كما مرجعية المفاوضات، يجب ان يكون قرار إجماع وطني، فليس من حق مجموعة مسلحة، ولا من حق "حماس" ولا "الجهاد الإسلامي" الاحتفاظ بقرار الحرب منفردتين او وحدهما، أو خارج إطار الإجماع الوطني.
في نهاية الأمر ستعتبر "حماس" أنها حققت هدف كسر الحصار بإجبار أبو مازن على استلام غزة فعليا، كذلك ستعتبر إسرائيل نفسها بأنها قامت بمهمة "تنظيف" غزة قبل استلامها من الرئيس، والمهم هو ان تضمن عدم بناء الأنفاق مجددا، وعدم إعادة تصنيع الصواريخ، والأهم هو إعادة القيادة الفلسطينية لتغطس في غزة، لعلها تنشغل بها عن التحريض على اندلاع المواجهة في الضفة الغربية والتوقف عن المطالبة بإنهاء احتلالها.
وبذلك تكون قد أعادت عقارب الساعة 14 سنة ـ أي منذ انتفاضة الأقصى والتي على اثرها ترك عرفات غزة إلى رام الله ـ إلى الوراء، والاقتراب من فكرة تحويل سلطة مؤقتة من غزة/ أريحا أولا إلى دولة غزة/ أريحا أولا!
Rajab22@hotmail.com 105

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد