269-TRIAL-كثيرة هي المواضيع التي تتطلب الكتابة، ولكن نادرة هي المواضيع الاستراتيجية التي تصنف في قائمة الأولويات، إحدى الموضوعات التي شغلتني، هي المقارنة بين حال فلسطين والفلسطينيين قبل النكبة 1948، وحالنا بعد عملية السور الواقي 2002.
في الواقع وجدت تشابها الى حد التطابق بين عملية التهيئة لإقامة دولة الاحتلال ووسائل الحركة الصهيونيه في حينه، وبين التهيئة القائمة اليوم لاستكمال ضم الضفة الغربية أو بعض منها.
بالمقارنة الموجزة للأساليب والآليات التي استخدمت والظروف المحيطة بنا، سنجد أننا في ظرف عصيب وحرج، برغم الإنجازات الدبلوماسية والقانونية التي أنجزتها القيادة الفلسطينية، وعلى نحو خاص في المجتمع الدولي وهيئاته الأممية، ولكنها دون متابعة جدية ستكون أقل تأثيراً من وضع فلسطين في الأمم المتحدة عشية وغداة إحتلال فلسطين التاريخية، حين أقرت الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن قرار التقسيم 181، وقرار الجمعية العامة 194 والقاضي بالعودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، ثم عشرات القرارات بعد ذلك من الجمعية العامة ومجلس الأمن.
الكتاب الأبيض والكتاب الأسود، واللجان الملكية البريطانية ومنها لجنة بيل، محاولات لكسب الوقت، ذاتها نشهدها منذ السبعينيات عقب نكسة حزيران، روجرز وكيسنجر، ثم منذ العام 1988 بعد فتح الحوار الأمريكي مع م.ت.ف، ومؤتمر كامب ديفيد حتى اليوم، حوارات، وثائق، مباديء، مبعوثين دائمون ومؤقتون، كل شيء يتوقف الا الإستيطان ينتعش ويتواصل.
[1] العصابات الضاربة والعنصرية
تهيأت الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية، بتشكيل عديد العصابات، كان منها "الهاجناه" وذراعها الضارب البالماخ، الارجون/ إتسل، ليحي/شتيرن، وعديد العصابات الوظيفية الأخرى، والتي هدفت الى ترهيب وترويع الفلسطينيين وقتلهم وارتكاب المجازر، ومصادرة الأراضي والتعدي على مقدرات السكان العرب، وتعزيز الاستيطان والحركة التعاونية "كيبوتس"، وعُرف الاستيطان بمبدأ "سور وبرج".
ماذا لدينا اليوم، تشكيلات متطرفه كثيرة، كانت كاخ وموليدت وتسومت، والآن إسرائيل بيتنا والبيت اليهودي، وقوى ضاربه منها، شباب التلال ومهمتها إحتلال رؤوس الجبال والتلال الفلسطينية، وعصابة تدفيع الثمن، للاعتداء على المواطنين وترويعهم في الداخل و القدس والضفة، وما زالت فعالية حركة غوش إيمونيم، والمهام ذاتها ترهيب وترويع واعتداءات بما فيها القتل، واستباحة المقدرات والأملاك، ومصادرة الأراضي والبيوت، وتعزيز الاستيطان بذات الطريقة "سور وبرج"، ومنطاد.


[2] القوة المساندة الإنتداب/ الاحتلال
ما كان لتلك المنظمات أن تنجح لولا وجود إسناد "طرف مُسهّل"، يغض الطرف عن تلك العصابات ويمنحها الدعم اللوجستي، ويشدد على خصمها المقاوم والمستهدف، بتشديد الخناق عليها والعقوبات، وهنا نتحدث عن الانتداب البريطاني، المنتدب والوسيط غير النزيه بل الشريك، الذي وعد اليهود عام 1917 فأوفى بعد 31عاما، وفتح المجال أمامهم لإعلان الإنتصار عام 1948، عبر تشجيع هجرة اليهود واسناد الحركة الاستيطانية وتلزيم أراضي فلسطين لليهود، في حينه كان عدد اليهود المستوطنين في فلسطين 650 ألفا.
واليوم لن يكن بإمكان مثيلات هذه المنظمات أن تنجح دون وجود بديل يأخذ دور الانتداب، ويستفيد من دوره، وهذا وللعجب ما تفعله "حكومة الاحتلال" التي نجحت جزئيا بالتفريق بينها وبين المستوطنين وكأنهما طرفين،عبر بعض الصور والإجراءات الإعلامية البحتة، في مخالفة للقائم والوقائع، رغم أنها تشجع الاستيطان وتوفر إمكانيات مالية ومظلة تراها قانونية، وهي تنفذ بقسوة قوانينها العنصرية بحق الشعب الفلسطيني ومقدراته لصالح المستوطنين، وتسهّل وتيسّر وتغض الطرف عن أفعال غلاة المستوطنين، هنا دقة موقف الرئيس نريد أن ننزع الشرعية عن الاحتلال الذي يبدو للبعض أنه شرعي بما يوحي من إنجاز لعملية سلام متعثرة، والذي يصبغ الشرعية على الإستيطان.
والواقع أن الحركة الاستيطانية تكثفت منذ عام 1994 ولكنها باتت بكتيرية منذ عام 2002، واليوم عدد المستوطنين في الضفة 630 ألفا.
للتجسيد التخيلي، من قلب أي مدينة أو قرية فلسطينية ستشاهد مستوطنة على الأقل، فكل المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية محاطة بالمستوطنات، ما أن تسير بين المدن حتى تتلاشى المظاهر الفلسطينيه وتظهر المظاهر اليهودية، الشوارع بين المدن مشتركة مع المستوطنين، أعلام دولة الاحتلال مرفوعة على أعمدة الكهرباء ويمنع الأعلام الفلسطينية، بعض الطرقات شواخصها عنصرية حتى الآن، ونستذكر بين أعوام 2001 وحتى 2005، منع جيش الاحتلال طرق الضفةعلى الفلسطينيين لصالحه والمستوطنين،اليوم كثيرة هي الطرقات التي يُمنع على الفلسطينيين دخولها في الأغوار، في كل المحافظات أراض تسمى مناطق عسكرية مغلقة، والمستوطن يشعر بالأمان أكثر من عشرات آلاف الفلاحين والبدو الفلسطينيين.
[3] قانون مين..قانون الحماية
ما جرى سابقا يجري اليوم، تطبيقات تمييزية في القوانين، بل اليوم أسوأ من السابق، إذ لا تطبق أي قوانين عقابية بحق المستوطنينـ واعتداءاتهم اليومية ويُيستكفى بصورة "يراد منها إظهار الجيش الاحتلالي في منصة محايدة"، بالمقابل يتم التعامل بالنار والحديد، بالقتل والأغلال بحق الفلسطينيين، فلا يعاقب مستوطن لفعلة ضد فلسطيني، مهما كانت، ولا يسمح للفلسطيني بالرد أو الدفاع عن النفس والممتلكات، وفي سياق متصل "يطبق القانون الإسرائيلي بالأوامر العسكرية الاحتلالية"على الفلسطينيين أينما تواجدوا وماذا فعلوا، ولا قوانين تضبط أفعال المستوطنين، بل قانون الحماية العرفي والعملي.
[4] وفرة الأحزاب الفلسطينية
كثيرة هي الأحزاب والحركات التي نشطت في فلسطين إبان الإنتداب الى حد الوفرة، وكذلك كانت ثورات متعاقبة في فلسطيني ومقاومة، وصولا لحكومة عموم فلسطين قصيرة العمر وبلا صلاحيات، واليوم لدينا وفرة من الأحزاب الى حد أن المستقلين شكلوا تجمعا حزبيا مستقل وربما غير مستقل!، وأنجزنا مرحلة ثورية طويلة وعظيمة وأنتفاضتين، وبنينا السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي أيضا باتت بلا صلاحيات أو مسئوليات سيادية منذ العام 2002.
[5] الدور العربي..رفع العتب
الجامعة العربية حاولت إسقاط العتب عنها، رفضت قرار التقسيم وشكلت جيش الإنقاذ، الذي لم تطلق كثير من ألويته رصاصة أو قذيفة. واليوم تنشط الجامعة العربية وربما لرفع العتب، فتشكلت لجنة المتابعة العربية، لكنها لا تُشعرنا بالتضامن الحقيقي والفاعل أو الحاسم، لإنهاء الاحتلال، وبعضها لم يطلق رصاصة ولا دولارا لحماية القدس.
[6] الاعلام..تهيئة واستجابة
كان لاعتماد الحركة الصهيونية على الإشاعة والخرافات التي تنشر الرعب والخوف بين شعبنا دورا حاسما في التهجير، واليوم يمارس الاعلام الذي ينقل الخبر وسائل الاعلام المحلية "الرسمية والخاصة"، والعربية والدولية، على أساس وصف الحدث ونقله، يمارس ذات الدور بالتهيئة والاستجابة التدريجية للقادم الخطر، وكأنما لم نسمع بالمثل "إجا الذيب كذبا..فلما جاء لم يجد من يردعه عن أغنام الحي.."
وأنت تقرأ المقالة؛ إفتح المذياع على أي من المحطات المحلية، أو الفضائيات الفلسطينية الهوية أو العربية، أو راجع هاتفك إن كنت مشتركا في خدمة الأخبار العاجلة لاي وكالة فلسطينية، ستجد ما يشبه، (قام المستوطنون باقتحام المسجد الأقصى، منع الآذان في الحرم الإبراهيمي، الاحتلال يمنع الرجال ما دون 50 عاما من الصلاة في الأقصى، قطعان المستوطنين تحرق عشرات الدونمات، بضع مستوطنين يقيمون خياما وبيوت على تلة جنوب الخلة، عشرات المستوطنين يقطعون الطرق، المسئول فلان يتعرض للرمي بالحجارة، وغيرها...).
ومنذ سنوات نسمع، الأقصى في خطر، والقدس تُهوّد، والاستيطات يأكل الضفة، والجدار يبتلع الأرض، حتى تعودنا عليها وتنمطت في آذاننا ومسامع شعبنا وأمتنا.
[7] خطة جماعية.. للإنقاذ
وحيث القدس في مراحل التهويد النهائية، والخليل تُهوّد بخصوصية، والضفة الغربية في مراحل متقدمة من التهويد، ولأن السلطة باتت منذ 2002 دون أي سلطة أصيلة وحصرية، والنظام القائم يفتقد لوسائل التحكم المطلقة في النظام، ولأن الاحتلال يُخطط لسلطة ضعيفة، لا تحكم شعبها ولا تؤثر فيه، تؤدي مهمات محددة تفوض فيها ولا تُؤصل لها، سلطة تشرع الاحتلال بدل أن تقودنا للاستقلال، ولأن دولة الاحتلال إسرائيل إنتقلت منذ زمن من دائرة "حل الأزمة" الى دائرة "إدارة الأزمة"، وللتذكير يتم إحياء ما يسمى "الإدارة المدنية"، والحاكم العسكري في الضفة، وبالنظر لكل الشواهد السابقة ومقارنتها شبه المتطابقة، فإن المنطق يقودنا لانتظار نهاية مشابهه، فلم تغير شيء منذ 1878 وطلائع المستوطنين و1897 ومؤتمر بازل و1917 وعد بلفور، وما تلاه حتى الآن الخطة واحدة، إلا إذا غيرنا من وسائلنا وطرق عملنا، وإذا غيرنا مرحلة الخيار الواحد الى خيارات.
نحتاج لوحدة القوى الوطنية في جبهة واحدة موحدة وضامنة، نحتاج لخطة جماعية، إستراتيجية موحدة، توقف نزيفنا وتنهض بنا نحو الخلاص والاستقلال، خطة توجه البوصلة نحو غاية واحدة، إزالة الاحتلال وبناء الدولة المستقلة.


• نائب أمين سر المجلس الثوري – فتح
• ماجستير علوم سياسية/ علاقات عربية
fahmizarir@yahoo.com 224

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد