42-TRIAL- حثالة، هي الكلمة التي استطاعت فيها مراسلة شبكة CNN الأمريكية (ديانا ماغناي) أن تصف بها الهمجية والوحشية الإسرائيلية وجرائم الحرب تجاه سكان قطاع غزة ، فلم تحتمل مشاهد الموت المستباح بحق الأطفال والنساء، ولم تتسع عين الكاميرا ولا البلاغة الصحفية ولا حتى المقابر أن تستوعب فيضان الدم والقتلى على ارض القطاع.
الصحفية الأمريكية التي رأت بالبث الحي مذبحة الشجاعية الدموية وقتل الأطفال على شاطئ غزة بدم بارد ، اكتشفت نفسها في دولة نازية تقدس حرق وقتل الآخرين وذبحهم دون مبالاة أو أي اعتبار، تكسر قواعد الحرب إن كانت هي حرب، وتتجاوز حدود الإبادة إن كانت هي إبادة، تقودها حثالة من حكام وجنرالات تل أبيب.
حثالة، هو التعبير الذي عثرت عليه هذه الصحفية الأمريكية لتصف حالات القتل الجماعي بحق المدنيين وتطهير عائلات بأكملها واستخدام آلاف الأطنان من القنابل المحرمة تجاه السكان، وأن من يفعل ذلك في العصر الحديث ليس من بني البشر، بل وحوش مفترسة متوحشة وبلا مشاعر معبأة بروح الانتقام والكراهية العمياء.
حثالة هؤلاء الذين يشنون العدوان على غزة يقصفون أرضها وبحرها وماءها وطيورها ونخيلها، جنود آليون قادمون من جهنم، مشتعلين تطرفا كشياطين من نار، مهووسين بثقافة القتل والموت.
حثالة هذه الدولة العبرية، التي تمزق أشلاء الأطفال والنساء وتمارس الإبادة الجماعية، وتملأ عين العالم بالدم والمصائب والصدمات.
حثالة هذه الدولة العبرية التي لا يسمع فيها صوت يرفض الجريمة والإرهاب الرسمي، لا يتحرك ولا يهتز فيها احد من الصحفيين والمفكرين والقانونيين والأكاديميين وكأن الجميع قد صهر في جيش الاحتلال، وجند في هذه الحرب الوحشية مصدقين رواية الخوف من الآخرين والتي جعلت حياتهم ذات نمط حربي.
حثالة أطلقتها الصحفية الأمريكية في وجه كل من يصمت أمام هذه المجازر الدامية في غزة، وكأنها تحذر بأن هذه الحثالة أصبحت تهدد العالم الإنساني والعدالة والقيم والثقافة، وإنها تزحف في طريقها كعصابة إلى كل مكان.
لم تشاهد الصحفية الأمريكية هذا الموت المفتوح سوى في هيروشيما وناغازاكي عندما ضربت بالقنبلة النووية في الحرب العالمية الثانية، بشر يحترقون ويذوبون مع الفسفور الكيماوي والقنابل الانشطارية الكربونية ويتفجرون في الموت وما بعد الموت.
دولة إسرائيل بكل أركانها وجنرالاتها ومؤسساتها وقببها النووية والحديدية وبمستوطنيها وحاخامييها تتحول إلى مشهد عسكري، تقف فوق مجنزراتها أمام غزة الفقيرة العنيدة، الصامدة بما ظل فيها من مؤونة العمر والروح والبرهان.
حثالة هؤلاء الذين يهتفون ضد العرب بعنصرية جديدة لم يسمعها العالم منذ عهد هتلر، تغذيها تصريحات رسمية و فتاوي تحريضية ضد كل فلسطيني، أدت إلى خطف الطفل محمد ابو خضير وحرقه حيا، وقادت إلى هذا العدوان الدموي الشيطاني على غزة.
حثالة جاءوا إلى هذه الأرض بالدم والسيف بعد أن خدعوا العالم كضحايا الهولوكوست ليتحولوا إلى أكثر شرا ورعبا مما جرى في مواقد وأفران النازيين، يهاجمون الحياة وشعوب الأرض.
حثالة هؤلاء الذين يستمتعون برؤية الدم والجثث المتناثرة، ويكابرون ويكذبون بالادعاء أن جيوشهم من أكثر الجيوش أخلاقية في العالم وان سلاحهم طاهر، فيتلقون الدعم من أمريكا فيزدادوا فجورا وعربدة.
حثالة هذه الدولة العبرية المصابة بالهستيريا والجنون المسلح، لا تعرف أن تعيش في عالم من الهدوء والسكينة والسلام من دون حروب، وتبقى في حالة طوارئ دائمة، تفزغ من السلام العادل وتراه تهديدا وخطرا عليها.
حثالة هذه الدولة العبرية التي صارت دولة محرقة، فتحت أبوابها لمصانع الموت، وصار مقياس البطولة عندها بعدد القتلى الذين يسقطون في صفوف الفلسطينيين، تاريخها تاريخ حروب، والناس ليسوا أكثر من بنك لأهدافها الإجرامية.
حثالة هذه الدولة التي ادعت أنها أقيمت كملجأ آمن للشعب اليهودي، وهي اليوم أكثر مكان غير آمن لليهود، حشرتهم في معسكر وليس في دولة، وحولت شعبها إلى حراس وقناصة ووحدات للاغتيالات، فاسدة أخلاقيا وقانونيا تسير بسرعة نحو الفاشية، تقدس الموت أكثر من الحياة.
حثالة هذه الدولة التي نكبت الشعب الفلسطيني ألف مرة، وجرفت أكثر من مائة ألف مواطن في غزة إلى العراء والمجهول، يلاحقهم الموت في مباني الاونروا ومدارسها وفي مخيمات لا تسقفها خيمة ولا يغلق أبوابها مفتاح عودة، لا رائحة للمطر الآن، قنابل تحرق الأحلام والغياب، لاجئون لا سلاح لهم سوى قوة الموت العظمى عندما تعاكسهم الأقدار.
الأمين العام للأمم المتحدة عبر عن إدانته بإطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل، ولكنه يشعر بالانزعاج تجاه الرد الإسرائيلي المفرط، وما بين الإدانة والانزعاج الاممي، ألقيت أكثر من خمسة آلاف طن من القنابل فوق رؤوس السكان، فتم إفراغ غزة من أصوات الضحايا، سكت العالم ونطقت الصورة بعد أن نامت غزة بإفراط دموي على إيقاعين.
لم تحتفل غزة بيوم مانديلا العالمي، وقد مرّ يوم 18 تموز تاريخ ميلاد المناضل نيلسون مانديلا وغزة تحترق لهبا على يد حثالة حكومة الاحتلال، وذهبت دعوات الأمم المتحدة التي أقرت هذا اليوم لمناصرة الشعوب المقهورة هباءا، وقيل أن إسرائيل العضو في الأمم المتحدة قد أغلقت أفواه العالم وفتحت أفواه النيران على غزة.
هي غزة التي أطلق الشاعر محمود درويش عليها مدينة البؤس والبأس، المتوجسة من الغرباء، يبتسم الوطن فيها في الليل، لم ترمم نفسها بعد، الدمار يلاحقها ويصيبها في الأعماق، يهرب البحر من الصيادين ويبقى صوتها في لغة الماء والغناء.
هي غزة من يدخلها يرمي ضميره خارج السياج الحدودي وينزل إلى نفق تحت رملها وجذور نخيلها وجميزها، تناديه ويناديها بحثا عن بطولة جريئة أو معجزة فيجد فيها أن البحر سيد الإيقاعات كلها وسرير الصحراء.
شهداء يسكبون دمهم لينهض العدم أو ليتكلم احد أو يأتي من وراء الجبل، شهود على تقطيع أجسادهم دون مغيث سياسي أو مسعف مغامر أو ريح عابرة، فقد خلا العالم تماما من الأحياء، وغزة تكتظ بالقتلى في كل ساعة وفي كل حلم وفي كل نوم، فأين سفينة نوح لتنقذ ما تبقى على هذه اليابسة.
الصحفية الأمريكية تم طردها فورا من إسرائيل إلى روسيا حتى لا ترى ولا تسمع، ممنوع أن تكتب أو تكسر الصمت بتغريدة موجعة عن مجازر مفتوحة ترتكب على ارض قطاع غزة على أيدي تلك الحثالة.
يقول الشاعر سميح القاسم:
جمجمتي تسهر طول الليل
والحية الرقطاء
تسهر طول الليل
والويل، كل الويل
من غضب الأموات والأحياء 140

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد