253-TRIAL-

تكثر الأحاديث عن فشل الولايات المتحدة في وساطتها بين الفلسطينيين والإسرائيليين في جولة المفاوضات الأخيرة، وأكثر التسريبات والأقاويل تصدر عن مصادر إسرائيلية. فتقول بعض الأوساط الإسرائيلية أن وزير الخارجية جون كيري قد سلّم بالفشل وأنه بصدد حل الفريق الأميركي المساعد له في المفاوضات، والإدارة الأميركية بدورها تنفي على لسان وزارة خارجيتها هذا الخبر وتقول أن السفير السابق مارتن انديك عاد إلى واشنطن للتشاور وأنه سيعود قريباً للمنطقة في محاولة لإنقاذ العملية السياسية.
ومهما تكن الحقيقة فالشيء المؤكد أن المفاوضات فشلت في إحداث اي اختراق على الرغم من محاولات اللحظة الأخيرة التي بذلتها الإدارة الأميركية قبل إعلان إسرائيل عن وقف المفاوضات بدواعي ذهاب الرئيس أبو مازن نحو المصالحة مع حركة " حماس " وأنه اختار الطريق النقيض للسلام، وليس واضحاً إذا ما كانت إدارة الرئيس باراك أوباما ستعود للمساعي من أجل استئناف المفاوضات أم تكتفي بالجهود التي بذلت حتى الآن والتي لم يكتب لها النجاح.


يقول الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع في مقال له نشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت " يوم الجمعة الماضي (2/5/2014) نقلاً عن موظفين كبار شاركوا في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، فيما يصفه بأنه اقرب إلى الرواية الرسمية الأميركية، أن الفشل كان سببه الرئيس البناء الاستيطاني. وأنه ليس صحيحاً ما يشيعه الإسرائيليون حول موقف الرئيس أبو مازن بأنه كان رافضاً ومتعنتاً بل أنه قدم تنازلات كبيرة منها أنه "وافق على دولة منزوعة السلاح؛ ووافق على رسم الحدود بحيث يعيش 80 % من المستوطنين في داخل إسرائيل؛ ووافق على أن تستمر إسرائيل في السيطرة على مناطق أمنية مدة خمس سنوات وأن تحل الولايات المتحدة محلها بعد ذلك.... ووافق على أن تبقى الأحياء اليهودية في شرقي القدس ضمن السيادة الإسرائيلية، ووافق أن تكون عودة الفلسطينيين إلى إسرائيل متعلقة بإرادة حكومة إسرائيل، والتزم بألا تغرق إسرائيل باللاجئين".

ما يقوله هؤلاء الموظفون الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم هو أن الفلسطينيين ضاقوا ذرعاً بالموقف الإسرائيلي المناقض لفكرة السلام وأنه لن يمنعهم شيء من التوجه نحو المجتمع الدولي، وأنهم سيحصلون على دولتهم بالعنف أو من خلال المنظمات الدولية. والموقف الأميركي هذا قاله بطريقة ما كيري والرئيس أوباما عندما أوضحا أن سياسة الاستيطان واستمرار الاحتلال سيعرض إسرائيل لعقوبات وتداعيات دولية قد لا تستطيع مساعدتهم الولايات المتحدة في منعها.


فإذا كانت صورة الوضع أقرب إلى الفشل التام وتسير بسرعة نحو مواجهة سياسية فلسطينية – إسرائيلية بدأت فعلاً بعد الإعلان عن اتفاق غزة لتنفيذ اتفاقات المصالحة بين الأطراف الفلسطينية، فما هي خيارات إسرائيل الفعلية؟ هل ستكتفي فقط بشن حرب اقتصادية بمنع نقل أموال السلطة الفلسطينية التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة؟.


هذه ربما من أكثر مراحل الصراع ضبابية لعدم وضوح الرؤية لدى الجانب الإسرائيلي الذي يقول شيئاً ويفعل شيئاً معاكساً، وأكثر من ذلك عدم وجود موقف موحد لدى أطراف الائتلاف الحكومي ففي الوقت الذي يتمنى فيه كل من حزب "ييش عتيد" (هناك مستقبل) و "هاتنوعاه" ( الحركة) بقيادة كل من يائير لبيد وتسيبي ليفني العودة للمفاوضات تعبر جهات أخرى في "الليكود" و( البيت اليهودي) عن سعادتها بفشل المفاوضات وتدعو لمعاقبة السلطة. لكن لا أحد لديه تصور كيف سيكون الوضع إذا ساهمت الخطوات العقابية الإسرائيلية في انهيار السلطة الفلسطينية، هل ستعود إسرائيل لاحتلال الضفة بصفتها قوة الاحتلال والمسيطرة عليها، وماذا سيحصل لو استطاع الفلسطينيون الصمود وتلقوا الدعم من الدول العربية واستمروا في خطواتهم في الانضمام للمنظمات الدولية وأصبحت إسرائيل في وضع دولي حرج.


لكن الخيار السياسي الجدي الذي يطرح في بعض أوساط القرار في إسرائيل هو الذهاب نحو خطوة إحادية الجانب تحدد فيها إسرائيل بعض ما تريد وتفرضه من جانب واحد على الفلسطينيين، من قبيل انسحاب إلى خطوط جديدة وإخلاء بعض المناطق المصنفة (ج) بدون التخلي عن أي مستوطنة مع إتاحة المجال للسلطة للسيطرة على بعض المناطق غير المأهولة، واعتبار هذه الخطوة كفرض حل انتقالي حتى تتهيأ الظروف لتسوية سياسية تقبلها إسرائيل أو تتغير الظروف ويغير الإسرائيليون موقفهم، وبعدها تخلي إسرائيل مسؤوليتها عن الوضع في مناطق السلطة، وحتى في هذا الخيار الذي يبدو شعبياً ويعتبره البعض محاولة ذكية في تجنب مواجهة مع المجتمع الدولي لا يبدو أن هناك إجابات شافية حول كيف سيتم التعامل مع السلطة الفلسطينية، هل ستصبح بمثابة دولة في حدود مؤقتة مثلاً ولها صلات مع العالم الخارجي بمعزل عن إسرائيل؟ هل ستبقى كما هي في نفس اتفاق باريس والغلاف الجمركي الموحد وتستكمل السلطات الإسرائيلية جباية الضرائب للسلطة؟ وهل ستنقل هذه الضرائب؟ في الواقع هناك أسئلة كثيرة يتوجب على صانعي القرار في إسرائيل الإجابة عليها، وهناك من سيعتبر الفلسطينيين الطرف الكاسب في هذه الخطوة، فسيحصل على مزيد من الأراضي بدون مقابل وبدون اي اتفاق، ولا شك ستظل مسألة المصالحة والوضع في قطاع غزة عندما لا تصبح "حماس" هي العنوان هناك، هل ستقوم إسرائيل بحرب على غزة ؟ شيء واحد مؤكد في كل ما يمكن أن يحصل وهو أن الفلسطينيين سيكونون الرابحين وان دولتهم باتت على الأبواب مهما فعلت إسرائيل.

211

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد