السيناريوهات المحتملة لمستقبل أسعار النفط خلال 2016

د.زياد أبو منديل

غزة / سوا / تعتبر أزمة انخفاض أسعار النفط أكبر صدمة عانى منها الاقتصاد العالمي, حيث شهدت أسعار النفط هبوطاً دراماتيكياً في أسعاره , حيث واصل سعر النفط من خام برنت منذ 22 يونيو 2014 تراجعه على نحو كبير من مستوى 117 دولاراً للبرميل ليصل سعر النفط من خام برنت إلى حوالي  32.88دولاراً للبرميل في6 يناير الحالي 2016, وقت كتابة هذه المقالة, وهو ما يعنى أن سعر النفط قد تراجع بحوالي 65% من قيمته أي اقل من النصف, وهو أدنى سعر يصل إليه منذ 11 عاماً, وهو ما يجعل العالم من وجهة نظري مقبلاً على أزمة اقتصادية عنيفة قد تتجاوز آثارها وانعكاساتها الأزمة المالية العالمية التي شهدها العالم خلال العام 2008.

في اقتصاديات السوق بملامحها المادية , التي تكرس أن القوي يأكل الضعيف, وفي ظل آليات "الصراع لا التعاون", لا وجود لمقولات حاول البعض ترسيخها في سوق النفط العالمية, مثل التقاء مصالح المنتجين والمستهلكين, لا توجد مصالح مشتركة بل يوجد صراع حقيقي.

فارتفاع أسعار النفط ليس في صالح المستهلكين, لأنه يرفع تكلفة الإنتاج, وبالتالي تزيد معدلات التضخم, فارتفاع الأسعار يحقق مصالح المنتجين, وهو ما لاحظناه على الثروات النفطية التي تكونت لدى المنتجين على مدار العقد الماضي.

والعكس صحيح , فانخفاض أسعار النفط يحقق مصالح المستهلكين, حيث تنخفض تكلفة الإنتاج والمعيشة, وتقل معدلات التضخم, وتعد موجة انخفاض أسعار النفط العالمية من شهر يونيو 2014 وحتى شهر يناير 2016 في صالح المستهلكين, حيث انخفضت الأسعار إلي أكثر من 65% من قيمتها.

وبلا شك , فان انهيار الأسعار بهذه الصورة أضر بمصالح المنتجين, حيث بدأت معظم الدول النفطية في مراجعة موازناتها العامة, وتقليص نفقاتها, والبعض لجأ إلي الاحتياطات النقدية أو السحب من الصناديق السيادية, ويتوقع أن تتراجع معدلات النمو بالدول المنتجة للنفط وكذلك تراجع قيمة الناتج المحلي لهذه الدول.

 

*إلي أين تتجه أسعار النفط خلال2016:

يشغل السؤال المتقدم أذهان الجميع, إذ يعد النفط الخام من أصعب الأسواق على التنبؤ, لان هناك كثيراً من التيارات المتقاطعة المتضاربة التي تؤثر في سعره كالعرض والطلب وصحة الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية والبيئة النقدية والتنظيمية العالمية.

لكي ندرك إلي أين تتجه أسعار النفط ينبغي أن نفهم العوامل الأساسية التي تحكمها, أو ما يطلق عليه آليات السوق, معبراً عنها بالعرض والطلب, والمخزون النفطي التجاري الذي تحتفظ به الشركات العالمية لمواجهة الطوارئ, وكذلك المخزون الاستراتيجي, ويأتي بعد ذلك العديد من العوامل القصيرة الأمد التي يزول أو يخف وقعها على الأسعار تبعاً لحدة وطول بقائها, ومن أمثلة تلك العوامل: الاضطرابات الجيوسياسية والأمنية التي تسود الشرق الأوسط ثم المضاربات التي يتربح منها خبراء البورصات العالمية بأسلوب المراهنة على أسعار النفط, بيعاً وشراءً, فيما يعرف بالبراميل الورقية (Paper barrel) التي يزيد عدد صفقاتها على خمسة أمثال صفقات التعامل في النفط الحقيقي (Net barrel).

وللحديث عن توقعات اتجاهات الأسعار خلال العام 2016, لابد من التعرض لأهم العوامل الرئيسية التي تؤثر على أسعار النفط.

 

*العوامل التي تسيطر على السوق النفطية في الوقت الراهن:

- العامل الأول:  رفع الحظر الأمريكي عن تصدير النفط : وافق مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة برفع الحظر المفروض منذ 40 عاماً على صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام مما يعني زيادة المخاوف من استمرار إمدادات النفط الأمريكية, على الرغم من انخفاض عدد مصافي النفط والتي من شأنها أن تشكل خطراً للمزيد من الهبوط للأسعار خلال الشهور الأولى من العام2016.

- العامل الثاني: سياسة منظمة الأوبك: تلعب سياسة منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" الدور الأهم في تحديد سعر النفط الخام, فقد صرع عبدالله البدري أمين عام المنظمة مؤخراً  إلي أن الدول الأعضاء لن تسعى إلي تخفيض إنتاج النفط لكي تدعم الأسعار, بل أن المنظمة تعتمد على ارتفاع الطلب العالمي للنفط الذي بدوره سوف يدعم الأسعار, وفي نفس السياق فقد صرح وزير النفط السعودي على النعيمي, على أن السعودية لن تعمل على تخفيض إنتاج النفط حتى وان بلغ سعر البرميل 20 دولاراً للبرميل. والمشكلة الأساسية لمنظمة الأوبك وخاصة السعودية الدولة الأكثر تصديراً للنفط الخام في العالم انه ليست في مصلحتها تخفيض الإنتاج اليومي وذلك لحماية حصتها السوقية, وهذا واضح من التصريحات السعودية التي ذكرت أنها أعدت العدة للتعامل مع الأسعار المنخفضة لفترة طويلة.

- العامل الثالث:  الركود العالمي وتراجع الطلب: تستمر المخاوف بشأن ضعف صحة الاقتصاد العالمي التي أججت المخاوف أن وفرة الإمدادات العالمية قد تبقى عند مستويات لفترة أطول مما كان متوقعاً. في وقت تتوقع فيه وكالة الطاقة العالمية أن يتراجع نمو الطلب العالمي على النفط إلي 1.21 مليون برميل يوميا خلال العام الحالي من مستواه المرتفع البالغ 1.82 مليون برميل يومياً , وتأتي توقعات تراجع الطلب العالمي على النفط في ضوء دخول الاقتصاديات النامية وبعض الاقتصاديات الناشئة دائرة الركود وخاصة في الصين التي هي المحرك الأساسي  للاقتصاد العالمي والذي أثر بشكل مباشر على أسعار النفط. وفي تحليل نشرته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في وقت سابق تتناول فيه أحوال الاقتصاد العالمي, حيث يرى الكثير من الخبراء الاقتصاديين أن معدل نمو أدنى من %3يعني أن العالم في مرحلة ركود أو في ظرف اقتصادي شبيه بالكود.

- العامل الرابع: قوة الدولار الأمريكي: بما أن النفط الخام مسعر بالدولار, بلا شك أن قوة الدولار الأمريكي تؤثر سلباً على أسعار النفط وذلك بحكم الارتباط العكسي الذي يربط الدولار بأسعار النفط , حيث أن عامل الدولار ورفع أسعار الفائدة الأمريكية خلال ديسمبر من العام 2015, تواجه أسعار النفط رياحاً معاكسة من قوة الدولار الأمريكي بمجرد أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة خلال نهاية العام الماضي والاتجاه نحو تشديد السياسة النقدية, متغير السياسة النقدية الأمريكية من المتوقع أن يعزز قوة الدولار, وان يجعل العقود المستقبلية للنفط المقومة بالدولار أكثر تكلفة بالنسبة للمشتريين الذي يستخدمون عملات أخرى.

- العامل الخامس: عودة إيران: إن توقيع الاتفاق النووي الإيراني في 14يوليو2015 من شأنه إزالة العقوبات الاقتصادية عن إيران, الجدير بالذكر أن الإنتاج الإيراني قد هبط من 4 ملايين برميل يومياً إلي حوالي مليون برميل يومياً بعد العقوبات, حيث أن زيادة إيران إنتاجها سوف يؤدي إلي زيادة في الإنتاج العالمي وبالتالي ستنعكس على أسعار النفط بالانخفاض.

- العامل السادس: زيادة الإنتاج العراقي والصادرات العراقية: وحسب التقرير الذي نشرته رويترز خلال شهر ديسمبر 2015 من المحتمل أن يزيد العراق إنتاجه من النفط في 2016, ما سيجعل معركة الحصص السوقية تحتدم بين دول أوبك ومنافسيهم من خارج المنظمة, وهي المعركة التي اضطرت بغداد إلي بيع أنواع الخام بسعر متدن بلغ 30 دولاراً للبرميل في أوروبا, كما باعت بسعر مماثل في أكتوبر2015 شحنات يومية قدرتها مصادر أمريكية بأكثر من 660ألف برميل يومياً في المتوسط للمصافي الأمريكية.

- العامل السابع: ارتفاع المخزونات التجارية وكميات النفط العائمة في البحار, وفي هذا الصدد قالت تقارير غربية ترصد حركة السفن والشحن في لندن, أن هناك حوالي 100 مليون برميل عائمة في البحار, اى أنها شحنات على ظهر السفن الرأسية بقرب موانئ الاستهلاك الرئيسية, وهي شحنات اشتراها أصحابها على أمل أن ترتفع الأسعار, ولكن الأسعار لم ترتفع بل واصلت الانهيار, وسيضطر أصحاب هذه الشحنات لبيعها بأي سعر ممكن خلال العام 2016 للتخلص من كلف الشحن اليومية.

- العامل الثامن: التدخل الأمريكي: حيث إن انهيار الأسعار يؤدي إلي عدم جدوى الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري, ومن ثم خفض الإنتاج نظراً لتضرر مشاريع وأنشطة الحفر بسبب هبوط الأسعار, حيث أن تصدير النفط الصخري سيزيد من الضغوط على أسعار النفط خلال الفترة المقبلة وربما يدفعه إلي الانخفاض أكثر.

- العامل التاسع: الظروف الأمنية المحيطة والعوامل الجيوسياسية: تعتبر اللاعب الأكبر في إبقاء الدول النفطية على نفس سياسة الإنتاج, ففي حالة انقطاع الإمدادات من المناطق غير المستقرة سياسياً التي تعاني مشاكل جيوسياسية, كالعراق وروسيا وليبيا , فمن المرجح ارتفاع الأسعار بدرجة كبيرة, وعلى الجانب الآخر فان إيران قد توصلت لاتفاق حول برنامجها النووي ورفع العقوبات الدولية عنها يعني عودة إمداداتها النفطية بشكل كامل ومن ثم الضغط على أسعار النفط نحو المزيد من الهبوط.

- العامل العاشر: احتمالات تسوية القضية الليبية وعودة إنتاج النفط الليبي: الذي انخفض من1.64 مليون برميل يومياً قبل سقوط نظام القذافي إلي أقل من 400 ألف برميل يومياً خلال العام2015.

كل هذه العوامل السابقة سواء أثرت بصورة مباشرة أو غير مباشرة على السوق النفطية, تدعم بصورة كبيرة استمرار الاتجاه الهبوطي لأسعار النفط خلال العام 2016, ومن المتوقع استمرار انخفاض الأسعار على المدى المتوسط طالما استمرت دول الأوبك بقيادة السعودية في إتباع سياسة رفع الإنتاج للحفاظ على حصتها الإنتاجية في الأسواق العالمية.

 

السيناريوهات المتوقعة لمستقبل أسعار النفط:

لا يبدو أن نهاية أزمة أسعار النفط ستكون قريبة, فما زالت العوامل السابقة التي أدت إلي هذا الانهيار الكبير في الأسعار قائمة. وهنا نشير إلي سيناريوهات النصف الأول من العام2016 لن يحمل الكثير من التفاؤل للمراهنين على ارتفاع أسعار النفط, وقد يكون النصف الأول من العام الحالي هو الأصعب بالنسبة للأسواق والمنتجين, فقد تشهد هذه المرحلة زيادة في المعروض النفطي من خلال استعداد بعض المنتجين لزيادة إنتاجهم من العراق وإيران والولايات المتحدة الأمريكية بعد اتخاذ مجلس النواب الأمريكي إجراء جديد برفع الحظر المفروض منذ 40 عاماً على تصديرها النفط الخام, وهي بطبيعة الحال عوامل ستزيد المعروض النفطي وبالتالي سينعكس على أسعار النفط العالمي, ومن السيناريوهات المحتملة والمؤثرة على أسواق النفط:

- السيناريو الأول: وهو سيناريو استمرار العرض من النفط الخام كما هو عليه تقريبا 2.5 إلي 3 مليون برميل يومياً

 السيناريو الثاني: وهو سيناريو منظمة الأوبك , حيث تتوقع الأوبك على لسان أمينها العام عبدالله البدري قوله أن أوبك تتوقع استقراراً وتوازناً عام 2016, مع تراجع إنتاج دول غير أوبك وارتفاع الطلب العالمي في فصل الشتاء.

- السيناريو الثالث: وهو سيناريو مصرف الاستثمار(غولدمان ساكس): أشار فيها إلي انخفاض أسعار النفط إلي مستوى 20 دولاراً العام 2016 , وذلك بسبب تخمة معروض الخام في الأسواق العالمية, ومخاوف بشأن متانة الاقتصاد الصيني أكبر ثاني اقتصاد في العالم.

- السيناريو الرابع: سيناريو انخفاض إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري بكميات تصل إلي 800 ألف برميل يومياً, وسيحد من هذا الانخفاض تطور تكنولوجيا الحفر والتكسير الهيدروليكي, وأيضا خفض منصات الحفر لتقليل التكلفة. هذا السيناريو سيرفع الأسعار ما بين 65 إلي70 دولاراً.

- السيناريو الخامس: وهو سيناريو انخفاض إنتاج النفط الخام من الدول الأخرى سواء كانت من داخل الأوبك, أو من خارجه ويتحدد هذا الانخفاض وحجم الكميات في قوة التماسك للشركات المنتجة والدول, وهذا الانخفاض يعود إلي عدة عوامل: إما عدم القدرة على الصعود, أو كإستراتيجية تحالف, أو بسبب أحداث خارجة عن الإرادة مثل الحروب أو عدم الاستقرار الأمني. ووفق هذا السيناريو سترتفع الأسعار إلي السبعينات حسب كمية الانخفاض.

وبالنظر إلي هذه السيناريوهات يصعب تحديد أي من السيناريوهات سيحدث, وهل يمكن أن يحدث أكثر من سيناريو في نفس الوقت, ولذلك فأسعار النفط قد تنخفض إلي ما بين25-30

دولاراً في أوقات مختلفة من السنة وقد ترتفع إلي مستوى الثمانينات في أفضل الأحوال, ولكن يبقي السعر المرجح بين الستينات والسبعينات.

خلاصة القووول... مازالت علامات الاستفهام قائمة حول مستقبل أسعار النفط العالمية خلال الفترة القادمة, ذلك وسط ارتفاع الفائض في الأسواق العالمية, رغم تراجع الإنفاق على الاستثمارات النفطية في كثير من دول العالم في الآونة الأخيرة. ونشاهد بشكل واضح الآن صراع بين لاعبي سوق النفط للحصول على إجابة لسؤال واحد وهو هل تتجه أسعار النفط نحو تكوين قاع جديد بحدود 20 دولاراً, أم أننا سوف نشهد انعكاساً في مستويات الأسعار خلال النصف الأول من العام 2016؟ ولكن لا شيء مستحيل وثابت في السياسة العالمية.

 

 

 

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد