185-TRIAL- "ليس لإسرائيل الحق في الوجود فقط ، بل من حقها أيضاً تقرير المصير في هذه البلاد، نعم حق لليهود في تقرير المصير في هذه البلاد، وحق تقرير المصير أهم من الوجود".
هذا ليس نصاً مقتبساً لأحد مؤسسي الكيان الإسرائيلي من الصهاينة، أو أي من أعضاء الحكومات الصهيونية المتعاقبة، أو لأي من قادة الكيان ومؤيديه من العرب والعجم.. هذا للأسف بعضاً مما قالته النائب العربية في ما يسمى ب الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) عن "التجمع الوطني الديموقراطي" حنين الزعبي في معرض استضافتها في برنامج "واجه الصحافة" في القناة الثانية في تلفزيون العدو الإسرائيلي يوم السبت 21/6/2014 للحديث حول وصفها عملية "اختطاف الجنود الثلاثة" في الخليل على أنها ليست عملاً إرهابياً، لتضيف في المقابلة موجهة حديثها للمحاوِرة "بالنسبة لكم دم الشباب المستوطنين المفقودين أغلى من دم الشباب الفلسطينيين، أما بالنسبة لي فبنفس المستوى".
تصريحات شكلت مفاجأة وصدمة للكثيرين، واعتقدنا بادئ الأمر بأنها مؤامرة أو خدعة ما لتشويه سمعة النائب، أو قد جرى تحريف مقصود في ترجمة المقابلة التي كانت في العبرية، فالزعبي مستهدفة من اللوبي الصهيوني الحاقد نتيجة مواقفها الوطنية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني سواءً في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48 أو في مختلف أماكن تواجدهم، وبفضح الممارسات الإسرائيلية التعسفية بحق الفلسطينيين..، إلا أن صمت وعدم الرد أو التوضيح من قبل النائب، يضعنا أمام فرضية الجزم بأن المقابلة حقيقية لا لبس فيها ولا تزوير.. يكفي مواقف الزعبي شرفاً بأن رافقت سفينة مرمرة التركية لكسر الحصار عن قطاع غزة في حزيران / يونيو من العام 2010، وكانت في سفينة "الحرية" آنذاك، وكان من الممكن أن تتعرض للقتل أو الإغتيال.. حينها تم اعتقال النائب واقتيدت كالمجرمة وأُخضعت للتحقيق والمساءلة من قبل جيش الإحتلال، وواجهت حملة انتقادات مسعورة ولاذعة من قبل الإحتلال وأعوانه حتى طالت حياتها الشخصية..، فقد عقدت مؤتمراً صحفياً في مدينة الناصرة الفلسطينية المحتلة، حمَّلت فيه كامل المسؤولية عما حدث من اقتحام لسفينة مرمرة ووقوع شهداء وجرحى.. على الجيش الإسرائيلي وقالت بأن "إسرائيل خططت للإعتداء"، وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق دولية تابعة للأمم المتحدة لفضح ما قامت به "إسرائيل".. وكانت الزعبي قد ذكرت للجزيرة نت بتاريخ 18/6/2014 بأنها "لن تتراجع عما قالته وأن الحكومة الإسرائيلية بممارساتها العدوانية الإجرامية هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن عملية إختفاء المستوطنين الأخيرة".  تصريحات الزعبي الغريبة عن السياق التاريخي لحياة المناضلة، وبمساواتها بين الضحية والجلاد، بين دم شهداء الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الإحتلال البغيض فوق أرض فلسطين منذ زمن الإحتلال البريطاني حتى يومنا هذا ويقدم الغالي والنفيس على طريق نيل حقوقه المشروعة.. بدماء من يعتدي ويقتل وينهب ويطرد ويحتل من الكيان الصهيوني..، عدا عن تصريحاتها عن حق اليهود بتقرير المصير في فلسطين وأنه أهم من الوجود، وهذا يعني عملياً إعتراف بدولة الإحتلال، وتنكر لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ولحق عودة أكثر من سبعة ملايين لاجئ فلسطيني الى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها على أيدي العصابات الصهيونية إبان النكبة في العام 48، تكون قد تجاوزت جميع الخطوط الحمر.
والسؤال ما الذي دعا النائب الزعبي للإقدام على محاولة الإنتحار سياسياً بتصريحاتها التي هدمت فيها صرحاً تراكمياً لسنوات من العمل الوطني والنضالي أمام مؤسسة صهيونية على الأقل تنظر للفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل على انهم "مواطنون درجة ثانية"؟. إذا كان الهدف محاولة إيجاد توازن في المؤسسة الإسرائيلية التي تناضل من داخلها، بعد استهدافها بهستيريا تصريحات الكيان الصهيوني، فاللعب في مساحات الثوابت الوطنية الفلسطينية كمناورات سياسية أو خطوات تكتيكية يدخل في إطار المحرمات القطعية. 
بتقديرنا تحتاج النائب إلى عقد مؤتمراً صحفياً تتراجع فيه عن تصريحاتها، وتعتذر فيه من شعبها الفلسطيني أولاً، ومن جميع المتضامنين والمؤيدين للحق الفلسطيني ثانياً، وإلا لن تفهم التصريحات كممالقة أو نفاق أو مداهنة للإسرائيليين فقط.. بل سقوط، والتاريخ لا يرحم..
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني بيروت في 30/6/2014
45

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد