288-TRIAL- تلك الجملة القصيرة والمعبرة كتبها الصديق طبيب العيون على صفحته على الفيس بوك وهي تلخص مجمل حجم الاندهاش الذي يعبر عنه الغزيون من حالة أشبه بحالة الفراغ الإداري التي تدخلها غزة وهي تراقب انسحاب " حماس " من الحكومة وتباطؤ السلطة في بسط سيطرتها على القطاع، وبقاء الوضع كما كان بل وأسوأ لأن أهالي غزة في السابق كانوا يعرفون لمن يوجهون الاتهامات عندما كانت حركة حماس تصر على حكمهم، وتسببت بكل ما جرى لهم من أزمة كهرباء ومعابر كانت هي المسؤولة، وهاهي تترك الحكومة وتلقي بالمسؤولية على غيرها.
الأمر تم دون ترتيبات حقيقية أدخلتنا في حالة من الحيرة لنصطدم مع أول أزمة في قضية الرواتب وموظفي حكومة غزة السابقة، وإذا كنا تعرقلنا عند مسألة بهذا الوضوح القانوني، فالحكومات ترث بعضها فماذا سيحدث عندما نذهب لتفاصيل أبعد على شاكلة الملف الأمني والقوات العسكرية.
ومع تراجع "حماس" الفوقي والتقدم الشكلي للسلطة بأربعة وزراء نشأ وضع عبثي يمعن في تمديد معاناة أهالي القطاع وجعل حياتهم أكثر صعوبة وانعدام أملهم الذي كان وقودهم حتى الوصول إلى محطة المصالحة، وها هو ينفد أمام عبثية نظامهم السياسي.
فحركة حماس تحكمنا ولا تحكمنا، وتحكمنا السلطة ولا تحكمنا، ولا نعرف لنا أبا بين هؤلاء الذين مروا على تاريخنا وعصرونا حتى النخاع، ولا نعرف من نستجدي ولمن نصرخ ومن نحمل مسؤولية معاناة تتراكم منذ سنوات، فقد جربت حركة حماس حظها العاثر بنا وعندما فشلت التجربة وضعت ثوبها بأسنانها وهربت، والسلطة التي مر شهر على أبوتها لنا لم تتقدم وكأنها لا تعرف أن غزة تحترق على جمر الوقت وتشيح بوجهها عنا كأنها تندم على المصالحة فتسمرت مكانها، لا تقدم ولا تراجع في حالة من المراوحة التي لا يشعر بها إلا من شارف بنك الأمل لديهم على الإفلاس.
غزة التي أصبحت كجمرة ملتهبة الجميع يقذفها في وجه الآخر .. إسرائيل التي ولت هاربة تاركة غزة لأبناء جلدتها والسلطة التي تنازلت عنها لحركة حماس التي استخدمت كل قوتها بلا رحمة لتسيطر عليها وها هي "حماس" تعيد قذفها في وجه السلطة، ونحن ننتظر كاليتامى على قارعة النظام السياسي، الجميع يريدها ولا يريدها. السلطة تريد من غزة أن تشرعنها فقط وأن تسقط "حماس" ولكنها لا تريد أن ترفع غزة، و"حماس" تريد السيطرة على غزة ولكن لم تعد تحمل تبعات حكمها فتهرب من الحكومة وتبقي أمنها مسيطراً على كل الأزقة والشوارع، ولم تسمح بعودة قوى السلطة الأمنية لتحقيق الشراكة في الحكم.
غزة تنتظر من يضمد جراحها، فقد تخدرت من شدة الألم، ولم تعد تحتمل لعبة الحسابات الصغيرة ولعبة السلطة والصراع عليها، غزة الأسيرة والكسيرة والتي حكم عليها القدر أن تكتب تاريخها بالدم والألم آن لها أن تستريح، فلم يبق في جسدها حتى متسع لوخز إبرة تنتظر من نظامها السياسي أن يأخذ بيدها، أن يحنو عليها، أن يعيد لها بحرها المسروق وملامحها الباهتة ومعبرها المخنوق وكهرباء تكفي لتشغيل ما يحرك هذا الهواء الساخن، فليس من العدل أن تتحمل وحدها كل خطايا التاريخ الفلسطيني.
ليس من العدل أن يبقى معبرها الوحيد المطل على العالم مغلقا بعد شهر من حكومة الوفاق، ويتساءل الناس من المسؤول عن استمرار إغلاقه؟ فالمصريون يلقون بالتهمة على الفلسطينيين متسائلين لماذا لم يتحدث معهم أحد حول آلية العمل، وكأن لا أحد يبالي، ويراقب الغزيون بحسرة معبر الكرامة والذي يحفظ كرامة المواطن في حين يتسلق رجل في الخمسينات من عمره جداراً عالياً لتسليم جوازه على معبر رفح في مشهد ربما يختصر حجم الشعور بالإهانة.
هذا الوضع الذي لم يعد يُحتمل حرك بعض الشخصيات العامة في غزة والتي لم تعد تقبل باستمرار حالة المراوحة تلك، والتي قد تأخذ سنوات أخرى من عمر المعاناة، فتداعت لاجتماع لمناقشة ما يحدث وسبل إتمام المصالحة، فهناك قلق عليها إن استمر هذا الوضع وخصوصا مع اتساع الخلاف السياسي الذي بدأ يظهر بتصعيد حملة التراشق الإعلامي بعد خطف ثلاثة مستوطنين والاتهامات بين الطرفين، أصبحت هناك حشية بأن تكون غزة مرة أخرى هي مادة الخلاف وأن تدفع ثمنا آخر لم يعد بمقدورها، فلا شيء مقنعا فيما يحدث.
هناك خوف حقيقي على المصالحة يعكسه التباطؤ في إجراءات تنفيذها وحجم العقبات التي تكتشف تباعا بعد التوقيع، فموظفو حكومة غزة السابقة مشكلة، ودمج الموظفين مشكلة، والسيطرة العسكرية مشكلة، والحدود مع مصر مشكلة، والمعبر مشكلة لكل الفئات من طلاب ومرضى وأناس عاديين ومن لهم مصالح، باستثناء مترفي العمرة الذين يوهمون الجميع أن المعبر مفتوح بشكل دائم على حساب معاناة الآخرين، هذا إذا ما تجاوزنا أنهم ضخوا منذ بداية هذا العام في الاقتصاد السعودي بحسب تقدير أحد الأصدقاء ما يقارب خمسة عشر مليون دولار من أموال غزة التي تعيش على التسول، وكأنهم لم يسمعوا بالخليفة عمر الذي أوقف حدا في عام الرمادة، وغزة لا تعيش الرمادة فقط بل إن رأسها معفر بالرماد وهذا يستدعي وقفة أكبر.
على حركة حماس أن تسحب موظفيها وقواتها من المعبر وأن تصنع أزمة حتى للمعتمرين وأن ترسل مفتاحه إلى أحد وزراء حكومة التوافق لتضع الحكومة عند مسؤوليتها، أما إن استمر هذا التنقيط والعمرة بالتغطية على الأزمة سيبقى الوضع بلا حل، وهذا ما دعا بعض الشخصيات العامة لبدء تدارس الأوضاع والتحرك ومخاطبة الأطراف تحت مسؤولية أن غزة لم تعد تحتمل، ولم تعد تقبل أن تدفع ثمن الانقسام وثمن المصالحة، وربما يصل الأمر لاتخاذ مواقف أكثر وضوحا خلال مؤتمر صحافي وخطوات احتجاجية قد تحرج الفصائل التي تواطأت جميعها في استمرار هذه المعاناة، سواء بالانقسام أو الاقتسام أو بالعجز والصمت والبحث عن الخلاص الفردي كما يفعل بعض المسؤولين .. آن الأوان لوضع حد لها، وكل عام وأنتم بخير .! Atallah.akram@hotmail.com 49

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد