جاءت مبادرة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ، بشأن ترسيم حدود المستوطنات في الضفة الغربية، وسط أحداث، إقليمية ودولية متشابكة ومعقدة، عبر محاولة إسرائيلية واضحة، ترمي إلى استثمار تلك الظروف كافة، في تكريس الاستيطان، وتوفير الأغطية اللازمة له، بما فيها الغطاء الفلسطيني.

لعله من نافلة القول، إن هذه المبادرة لم تأت من فراغ، أو نتيجة قلة دراية نتنياهو بالقانون الدولي، أو غيرها من الاعتبارات.
لعل أبرز وأهم ما استندت إليه مبادرة نتنياهو، هو حالة الانشقاق الجيو ـ سياسي بين شطري الوطن، الضفة الغربية وقطاع غزة ، ومحاولة إسرائيل تكريس هذا الانشقاق وتأطيره، بما يخدم قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في الضفة والقطاع، يؤكدون، المرة تلو المرة، وبعد الحروب الذي شهدها القطاع، أنهم لا يرمون إلى القضاء على حركة حماس تماماً، بل إلى إضعافها وتطويعها، والحفاظ على حالة الانشقاق القائم.
جاءت مبادرة نتنياهو، لتقول، إن الضفة الغربية هي غير قطاع غزة، وإن مسار غزة المستقبلي، هو غير مسار الضفة.
لعله بات واضحاً، بأن اسرائيل ترمي جدياً، إلى تفتيت الضفة جغرافياً، وجعل المستوطنات الكبرى منها والصغرى، هي الأقوى فوق اراضي الضفة الغربية، سكانياً واقتصادياً، وأمنياً، وتحويل القرى الفلسطينية المحيطة بالمستوطنات، وكذلك البلدات والمدن، كمجمعات بشرية، في خدمة المشروع الاستيطاني الصهيوني.
أما فيما يتعلق بقطاع غزة، فهو جغرافياً محدد ومحاصر من الجهات كافة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ومن السماء... ولا تواصل ما بينها وبين الضفة الغربية، لا سياسياً ولا جغرافياً.. ولا حتى فكرياً.. في هذه الحالة، يرى نتنياهو، أنه سيستحيل على الفلسطينيين المضي في مشروعهم، الرامي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، أو نيل حق تقرير المصير، وهم شعب منقسم على نفسه.
جاءت مبادرة نتنياهو، لتؤكد مجدداً، أن الحكومة الإسرائيلية الراهنة، بتكوينتها اليمينية المتشددة، ستبذل مساعي جادة، مستقبلاً، فيما يتعلق بالحفاظ على حالة الانشقاق الجيو ـ سياسي الفلسطيني من جهة، والعمل على تفتيت الضفة الغربية، عبر جهود ترمي لإرغام الفلسطينيين على القبول بالاستيطان، بل ترسيمه وتغطيته، وبذلك تكون إسرائيل، تقفز فوق القانون الدولي، وكافة الاعتبارات القانونية الدولية، وأبعادها، وفي المقدم منها القرارات الدولية، الخاصة، بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في العام 1967، وأبرزها القراران الدوليان 242 و338.
هنالك رابط ما، علينا رؤيته وإدراكه، بين ما وصلت إليه جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية، من انسدادات تصل حد الجدار، وبين الجهود الفلسطينية، على الصعيد الدولي، وما حققته من نجاحات واضحة.
ما تريده إسرائيل في المرحلة القادمة، هو تكريس حالة الانشقاق الجيو ـ سياسي بين شطري الوطن، وفرض حالة من الاستيطان في الضفة، تحول دون قيام كيان فلسطيني قادر على العيش، والقيام بإجراءات أحادية الجانب، تسهم في فرض حالة من السلام الاقتصادي، يجعل من الفلسطينيين، ملحقاً في الأجندة الإسرائيلية العامة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد