تأخرت حركة فتح عن اطلاق حملتها ، في انتخابات المجلس التشريعي الثانية في العام 2006 ،وفي اجتماع عُقد في رام الله بدعوة من الرئيس محمود عباس ، ضمّ مرشحي فتح على الدوائر والقوائم ، كان ذلك بالضبط قبل الانتخابات بخمسة عشر يوماً، تساءل المرشحون وكانوا يملأون القاعة ، عن سبب تأخير اطلاق الحملة، وشح تقديم الدعم المالي لهم، لم يتلق المجتمعون جواباً مقنعاً عن هذا السؤال، وأذكر يومها انني قلت كلمات شديدة القسوة ... اذا كانت السلطة قد انتقلت بعد وفاة المغفور له ياسر عرفات الى خلفه محمود عباس بسلاسة ويسر ، فان انتقالا بذات السلاسة سيحدث للسلطة من يد فتح الى يد حماس ، واعترف بعد مرور سنوات طويلة، انني لم اكن متأكدا مما قلت ، وحين سألني كثيرون عن هذه الاقوال المخيفة ، اجبتهم انها من اجل حث القيادة على الاسراع في اطلاق الحملة وتوفير المال اللازم لانجاحها، وبكل اسف وأسى، تحقق بعض مما قلت، اي ان الانتقال تم عبر صندوق الاقتراع، الا انه لم يكن سلساً بأي حال .

وكالعادة شكلت فتح لجنة لدراسة اسباب الاخفاق في الانتخابات ، وتذرع المجلس الثوري الذي لم ينعقد على مدى سبعة اشهر ، بان سبب عدم انعقاده هو تأخر اللجنة في اعداد تقريرها ، مع ان الامر لم يكن بحاجة لا الى لجنة ولا الى تقرير، فقد كانت اسباب السقوط واضحة ، وسبل معالجتها لو توفرت النية اكثر وضوحا.

ومنذ تلك الواقعة المأساوية، واقعة خسارة انتخابات جرت في حضن مشروع اسسته فتح، وبداية تدهور متسارع ما زلنا نعاني منه فتحاويا ووطنيا ، فقد عانت فتح من ظاهرة في غاية الخطورة ، وهي تنامي وانتشار الازمات العميقة ومواجهة هذه الازمات بمحاولات ساذجة سطحية جزئية ، غالبا ما لا تؤدي الى نتيجة.

لقد استعنت بهذه الواقعة التاريخية لاسقاطها على الواقع الذي تعيشه فتح ويتأثر به الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ، واذا كنت اصف الواقع الحالي بغير الصحي، فهذه العبارة هي الاخف والارق وربما الاجمل من الاوصاف التي يتداولها الكادر الفتحاوي اولا ثم انصار فتح ثانيا ثم خصومها اخيرا .

ان ما حدث في بيرزيت ، كان مؤشرا جزئيا على ازمة عامة ، الا ان المعنيين بدراسة الوقائع بصورة موضوعية ، انتبهوا ليس الى واقعة السقوط وانما الى طريقة المعالجة ، بل والى تفسير ما حدث، فهنالك من قال باسم فتح ان الطلبة الصغار لا يفهمون في السياسة وبالتالي لا لزوم لتهويل الامر ، وهذا الكلام كان يقال عكسه في حالة النجاح .

وهناك من قال باسم فتح ، لقد سقطنا في بيرزيت واعتبر ذلك اختراقاً من قبل حماس حيث اننا كنا قد اخترقناها في انتخابات للمحامين، وقيل على لسان فتح كذلك ها نحن نجحنا في انتخابات معهد الطيرة ونعمل على النجاح في جامعة النجاح.

انني كعضو أدّعي القدم في فتح، اشعر بالخجل من تدني مستوى الكلام بل ومستوى المواضيع المختلف عليها ، ان هذا الشطط في التعاطي مع ازمة الحركة التي لا يختلف اثنان من ابنائها، على انها اكثر تعقيدا واتساعا، ينذر بمزيد من الفشل قبل ان يبشر بنجاح قادم ، واذا ما تركنا وراءنا وقائع الفشل المتسارع لننظر ولو قليلا الى ما ينتظرنا في الغد ، فاننا نرى نوعا من التجرؤ المبالغ فيه على فتح من قبل المؤلفة قلوبهم من حلفائها والمنافسين الصريحين لها ، فمن كان يتوقع ان تخوض حماس معاركها تحت صورة مروان البرغوثي ، ثم ما هو تأثير استيلاء حماس المباشر على مطلب الانتخابات الرئاسية والتشريعية الذي هو في الاساس مطلب فتح وخطابها المركزي في السجال الدائر بينها وبين خصومها ، كل ذلك له سبب واحد لا يحتاج الى دراسات ومراكز ابحاث بقدر ما هو بديهي وبسيط، وهي ان خصوم فتح لا قوة ذاتية لهم بقدر ما تتضاعف قوتهم من استغلالهم الحاذق لفجوات فتح وصراعها الداخلي وافتقادها زمام المبادرة في كل الامور التي جعلتها قائدا لا منازع له للحركة الوطنية الفلسطينية وللمشروع الوطني ، وهنا يتعين على فتح ان تنتبه الى ظاهرة لو استمرت ستسجل خسائر فادحة على الصعيدين المادي والمعنوي، وهي المغالاة في الاستنجاد بالتاريخ وسجن الذات وراء قضبانه الذهبية ، فتاريخ فتح الذي صنع بداياته المؤسسون ، ما كان ليشرق لولا الانجازات الملموسة والكبيرة والنوعية التي حققتها فتح على الصعيد الوطني والقومي وحتى الدولي .

ان تاريخ فتح يجب ان لا يظل ايقونة زهو دون تعزيزه بانجازات مستمرة، ومن المؤسف ان التاريخ العاري عن الانجازات المستمرة والمتطورة يصير عبئا معنويا لو اقتصر على مجرد الذكرى .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد