مهما سعى المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي لتسويق نفسه كدولة ديمقراطية تحتكم لنتائج صناديق الاقتراع، قوية لا تهزها الأحداث والانقلابات العاصفة في محيطها العربي، ولها باع طويل استخباري وتكنولوجي، تصل إلى ما تريد من اغتيال وكشف مؤامرات، وأنها تشترك مع الغرب الأوروبي والأميركي وترتبط معهما بقيم مشتركة، لا تقتصر فقط على مشاركتها معهم في مباريات الألعاب الرياضية باعتبارها دولة أوروبية أكثر منها شرق أوسطية تقع في آسيا، رغم ذلك كله أو بعضه فقد خلص المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي إلى رسم صورته الحقيقية وكشفها بلا مواربة، معبرة عن مضمونه العنصري داخلياً والتوسعي الاستعماري خارجياً، فعلى صعيد سياساته وإجراءاته وقوانينه التشريعية فهو مشروع يدلل على روح العنصرية ومظاهرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في تعامله مع المواطنين العرب الذين بقوا في بلادهم في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، مثلما يعمل على ترسيخ الاحتلال والاستيطان، ومبادئ التوسع عبر عمليات التهويد للأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة العام 1967، فأي ديمقراطية تلك التي يقولها رئيس الوزراء نتنياهو وهو يحذر مواطنيه اليهود من اندفاع المواطنين العرب نحو ممارسة حقهم في الوصول إلى صناديق الاقتراع، فقد ذهبوا وفق القانون للإدلاء بأصواتهم ووضع أوراق خياراتهم السياسية في صناديق الاقتراع، ولم يذهبوا نحو التطرف، أو العزلة والانطواء، أو إلى معسكرات التدريب تمهيداً لتنفيذ عمليات، بل ذهبوا إلى صناديق الاقتراع لممارسة حقهم الطبيعي في الأدلاء بأصواتهم، فنبه نتنياهو المجتمع الإسرائيلي إلى مخاطر تصويت العرب ووصف اندفاعهم نحو صناديق الاقتراع مثل نشاط الدبابير، وهو تصريح دفع الرئيس الأميركي لنقده والتحذير من عواقبه.
العنصرية والتهميش وعدم المساواة داخل مناطق 48، والاحتلال والاستيطان والتهويد والأسرلة لمناطق 67، تلك هي عنوان سياسة نتنياهو المزدوجة وتطبيقاتها خلال رئاسته لثلاث حكومات سابقة وستتواصل لتكون عنوان ولايته الرابعة وسياستها، فقد نجح في الانتخابات وحصل على ثلاثين مقعداً يوم 17 آذار، بما يتعارض مع كل التوقعات المسبقة لأنه أعلن أن الدولة الفلسطينية لن تقام بعهده وأن الاستيطان سيتواصل، وأنه ضد الاتفاق الأميركي الإيراني، ونجح في زيادة المخاوف لدى المصوتين الإسرائيليين نحو برنامج طهران النووي، وإن كان مقيداً وتحت المراقبة الدولية، وسوّق مشروع الاتفاق باعتباره مصدر القلق والخطر على تل أبيب، وهذا يعني أن الأغلبية الإسرائيلية صوتت لصالح هذا البرنامج التوسعي الاحتلالي الاستعماري العنصري، وبالتالي سيبقى متمسكاً بهذا البرنامج لأنه مصدر نجاحه وتفوقه وسيبقى مخلصاً له ويعمل على تنفيذه، ولكن في إطار المراوغة والتضليل للمجتمع الدولي.
والإدارة الأميركية التي اختلفت علناً مع سياسات نتنياهو في قضيتين: الأولى حول تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتمسكها بحل الدولتين، والثانية حول الاتفاق الأميركي الإيراني، ولكن رغم ذلك، لا أحد يتوقع انقلاباً في السياسة الأميركية لمواجهة تل أبيب، أو العمل على معاقبتها، بل ستعمل الإدارة الأميركية باعتبار نتائج الانتخابات الإسرائيلية واقعاً يجب التكيف مع إفرازاته، وستبحث عن أدوات أو مخارج لعدم تصادمها مع سياسات نتنياهو، لتمرير الاتفاق الأميركي الإيراني، والاحتمال أن يتم ذلك على حساب الاهتمام بالفلسطينيين وقيادتهم وقضيتهم، طالما أنهم لا يملكون فرص قلب الطاولة، وبحاجة للحصول على تمويل لدفع الرواتب، وأسرى المساعدات المالية الأميركية والأوروبية، وها هي رغم أن الاقتراح الفرنسي الذي سيعرض على مجلس الأمن لا يلبي الحقوق الفلسطينية فهي تطلب تأجيل عرضه إلى ما بعد تشكيل حكومة نتنياهو، مثلما سبق وأن طلبت تجميد كل التحركات السياسية والدبلوماسية حتى إجراء الانتخابات الإسرائيلية يوم 17 آذار على أمل نجاح المعسكر الصهيوني، تحالف هرتسوغ وتسيبي ليفني، فجاءت النتائج مخيبة لأمال الأميركيين ورهاناتهم، وأكدت أن المجتمع الإسرائيلي ما زال رهانه على غير رغبات الأميركيين وأولوياتهم.
بعد فشل الرعاية الأميركية المنفردة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في عهود كلينتون وبوش وأوباما، وفشل الرهان على عدم التمسك الحازم بقرارات الأمم المتحدة وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتبديد أو التلاشي ومرجعياتها القرارات الثلاثة: التقسيم 181، والعودة 194، والانسحاب وعدم الضم 242، واستبدالها بالهبوط إلى مستوى «التبادلية في الأراضي» و»حل متفق عليه بشأن اللاجئين» والرعاية الأميركية المنفردة للمفاوضات وتجميد دور الرباعية وعليه ماذا سيكون الرد الفلسطيني؟؟ ما هو البرنامج الواقعي الذي يحفظ معادلة عدم التصادم مع الأميركيين؟؟ وفي نفس الوقت عدم التراخي وعدم التراجع وعدم التساهل بحقوق الشعب الفلسطيني، تلك هي المعادلة الصعبة القاسية، ومفتاحها هو العمل على ثلاث جبهات:
أولاً: الوحدة الوطنية بعواملها الثلاثة: 1- وحدة مؤسسة منظمة التحرير بصفتها التمثيلية لتضم الجميع بمن فيهم « حماس » و»الجهاد» وشخصيات ذات فعل وتأثير، ووحدة تقوم على أساس 2- برنامج سياسي مشترك، و3- أفعال كفاحية تعتمد على أدوات متفق عليها بين الجميع ووفق البرنامج السياسي المشترك.
ثانياً: العمل في إطار الجبهة السياسية والدبلوماسية لاستكمال الخطوات الفلسطينية نحو المؤسسات الدولية وتنشيطها وعزلة المشروع التوسعي والعنصري الإسرائيلي وملاحقته.
ثالثاً: العمل على كسب انحيازات إسرائيلية لعدالة الحقوق والمطالب الفلسطينية وتطوير شبكة علاقاتها ومشاركة كافة الفصائل والشخصيات الفلسطينية، حتى تكون سياسة وطنية ذات طابع هجومي وذات مردود سياسي يخدم تطلعات الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الثلاثة: حق المساواة في مناطق 48، وحق الاستقلال لمناطق 67، وحق اللاجئين في العودة واستعادة ممتلكاتهم.
المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني على حق رغم ضعف إمكاناته، والمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي رغم تفوقه فهو باطل، تلك هي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أو إخفاؤها، والعمل على أساسها والثقة بمضمونها ودلالاتها.

h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد