وصل عدد من الوزراء سمي بالوفد إلى غزة ، والهدف المعلن من هذه الزيارة هو الإشراف على الوزارات عن كثب، ومعالجة عدد من الملفات، ومن ضمنها أو ربما على رأسها ملف الرواتب، ووفد حكومة الوفاق له مهمة غير معلنة، وهي اثبات وجودها والتزود ببعض الهواء لتنفسه.

وزيارة غزة دون التدقيق في نتائجها تتكفل بهذا الجانب من المهمة المستترة، أما حكومة غزة التي تنازلت عن التسمية وقامت بتأجيرها ل رام الله فهي ت فتح الأبواب مواربة للقادمين من القارة الأخرى، فإذا كانت جيوبهم ملئا بالرواتب أو السلف، فلهم طيب الإقامة المؤقتة هناك، وإن بدت الجيوب خالية إلا من الوعود، فلدى الحكومة الفعلية هناك الكثير الكثير لتفعله لإرجاع الوفد خالي الوفاض، هذا إذا لم يذيقوه الأمرين، في الأسبوع الذي يجاهد فيه لاثبات الوجود.

وفد الحكومة من رام الله لسان حاله يقول ... "سنواصل الزيارات حتى يستبين الخيط الأبيض من الأسود، وحكومة غزة تقول اذهبوا أنتم وقاتلوا إنا ها هنا قاعدون".

وهذه الصورة تحمل سمات كاريكاتورية، لو قرأها أحد من خارج الحالة الفلسطينية لظن أنها فاصل كوميدي، داعب مخيلة كاتب أو مؤلف، أما الذين يعيشون الحالة من داخلها، فيعتبرون هذه الصورة بمثابة مرآة عاكسة للحال الفلسطيني المائل والذي لا نحب كثيرا أن نصفه، ولو مضطرين بالبائس والمأساوي.

وتبدو فداحة الصورة في أوضح تجلياتها حين نقيس الواقع الحكومي الرسمي والمسمى بحكومة الوفاق، بالمهمات الحقيقية المنوطة بها أو التي تشكلت من أجلها، وهي مهمات أكبر بكثير مما تتصدى له الحكومة الآن، وبحكم الأداء الضعيف للمهمات منذ تأسيس الحكومة حتى الآن، فإن ما يبدو أنه نسي تماما، الهدف المركزي الذي صار صعبا تذكره وهو الانتخابات، أما استعادة الوحدة بإنهاء الانقسام، فقد تلاشى تماما وصار الحديث عنه أشبه بترديد أغنية قديمة هابطة ومملة.

الحديث يدور الآن حول احصاء الموظفين وفرزهم وتسكينهم في وظائف نظرية، ومن لا يحظى براتب حقيقي فهنالك مساع لمنحه سلفة حد أدنى، مهمتها الأساسية أن تُغني عن القول الصريح، هذا أقصى ما نستطيع ولننتظر منحة قادمة.
وهذا ليس عمل الحكومات ولا القيادات، ولا ذلك المستوى الذي يتعامل معه العالم بجدية، إنه عمل موظفين عاديين بالامكان إنجازه على حاسوب بدائي، وأخطر ما نعانيه جراء هذا الهبوط في مستوى أداء المهمات أن الوطن والشعب كله يُفرض عليه أن ينحدر إلى هذا المستوى، ونظرا إلى عدم القدرة على تلبية هذا الحد دون الأدنى، فلا مناص من أن ينشأ سجال كلامي فيه أسوأ أنواع الهجاء المتبادل وتقاذف التهم الكبرى والادانات المحسومة.

أهل غزة الذين بحكم الحاجة يتعلقون بأوهى الخيوط ويرفضون وهم السراب بديلا عن الماء، لا شك بأنهم يحتفلون بوصول القادمين من القارة الأخرى، ويواصلون انتظار حلول لعذاباتهم المتعمقة والمتمادية، بعد أن لم تملأ أمعائهم الخاوية الأطنان من الشعارات الدسمة ولم تلتحف أجسادهم في برد الشتاء القارس بعبارات الصمود المجيد غير المسبوق، فهم واقعون تحت شبكة من التقاطعات التي لا حل لها، فإسرائيل تعمل على طريقتها الخاصة، تفتح وتغلق بمقتضى أجنداتها واحتياجاتها، والسلطة في رام الله تائهة بين مهامها ومسؤولياتها القانونية والشاملة، وبين الهوامش الضيقة التي تتحكم بمساحتها إسرائيل أولا ومن منطلق آخر مواجه تتحكم حماس . أما العالم الذي نعول عليه في "إخراج الزير من البير" منشغل في هموم أكبر وأفدح.

وتحت هذه التقاطعات جميعا يعيش أهل غزة مقاومين قدر الإمكان الاستسلام لليأس، ومتشبثين بما فوق الإمكان بالأمل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد