ربما يكون القرار العربي السريع بتشكيل قوة عربية مشتركة والبدء بهجوم «عاصفة الحزم» في اليمن ضد الحوثيين قد اثلج صدر الكثيرين لأن العرب لأول مرة يقررون تفعيل معاهدة الدفاع المشترك المنصوص عليها في ميثاق الجامعة العربية. والقرار اتخذ على وجه السرعة بعد أن شعرت السعودية أنها ودول الخليج مهددة بسيطرة الحوثيين اليمنيين على كل اليمن بما في ذلك مضيق باب المندب وتهديد الملعب الخلفي للملكة ولدول خليجية أخرى. ولكن لو تم النظر لما جرى حتى الآن في الساحة اليمينية سنجد أن المعالجة العربية وخاصة السعودية لملف الثورة اليمنية كان مليئاً بالأخطاء.

عندما هب الشعب اليمني ضد نظام على عبد الله صالح ووقفت ضده الجماهير وكل القوى باستثناء أبنائه وحزبه وقوات الجيش المخلصة له، قامت السعودية بتأمين الملجأ له ومنعت سقوط أركان النظام بشكل كامل ووقفت ضد بعض القوى التي لاحقاً حليفة. والنتيجة أن الحوثيين الذين يشكلون أقلية في اليمن تحالفوا مع على عبد الله صالح ضد نائب الرئيس منصور عبد الهادي الذي يعتبر شخصية ضعيفة للغاية وليس له أي نفوذ لا على الجيش ولا على القبائل ولا على الجماهير، وهذا يثبت بشكل جدي أن خيارات الحل في اليمن لم تكن موفقة على الرغم من أن الرئيس عبد الهادي لم يكن خياراً موفقاً وأن الإبقاء على الرئيس المخلوع ومراكز القوى التابعة له والتعامل معه كخليف للسعودية ودول الخليج التي رعت الاتفاق الذي لم ينفذ لم يكن عملاً مدروساً وصائباً.
الآن الوضع باليمن معقد للغاية فهناك الحوثيون المدعومون من إيران بالمال والسلاح والخبراء وربما الرجال وهناك الرئيس المخلوع وأبناؤه والجيش المتحالف معه وهم يشكلون قوة استطاعت اجتياح مناطق واسعة من اليمن وهددت عدن وباب المندب وكادت تستولي على كل البلاد، وهناك بعض القبائل والقوى الشعبية المدعومة من القوات العربية التي تساعدها من الجو، وتقصف مراكز القوات الحوثية والموالية لها ولكنها لا تحقق تقدماً جوهرياً على الأرض، وكل التقديرات تشير إلى أن التدخل البري الواسع لإنهاء الحرب ولحسم المعركة وليس ممكناً الحسم بالقوة المسلحة وهذا سيحتاج وقتاً طويلاً، والأخطر إمكانية حصول تورط قوات برية عربية وعلى وجه الخصوص قوات مصرية وربما سعودية في بحر الصراع اليمني الذي يمكن أن ينهك أية قوات أو جيوش والتجارب الكثيرة التي حصلت في القرن الماضي وحتى الأمس تقول إن التدخل البري الخارجي في الصراعات الداخلية يستنزف القوات المتدخلة، وقد لا يقود إلى النتائج المرجوة. وربما تكون كلفته أكثر بكثير مما يمكن تقديره بصورة عامة.
الآن لا يمكن البحث عن انتصار ساحق في المعركة يمكن فقط وقف تقدم الحوثيين في أماكن محددة ولكن لن يكون هناك هزيمة تامة، والحل المطلوب هو حل سياسي لابد أن ينطلق من رؤية كل الأطراف جزءاً منه بما في ذلك الحوثيون وربما هناك حاجة لتضافر قوى إقليمية في الحل، ولكن ليس على طريقة التفكير الذي ينتهجه الحوثيون فهم يشكلون أقلية لا ينبغي لها أن تغتصب البلاد بالقوة، كما أن استثناءهم وتجاهلهم لا يؤدي إلى أي نتيجة، ويجب منع تطور الأمور إلى مستوى حرب طائفية وإقليمية شاملة.
قد يبدو أن الطرح العقلاني للحل لا يروق لأي طرف ولكن هذه الحقيقة سيتم اكتشافها بعد تدمير كل مقدرات اليمن وإهدار الكثير من مقدرات الدول العربية وخسارة مئات الآلاف وربما الملايين من المواطنين في أتون هذه الحرب التي ستؤدي إلى تدمير كل شيء. وأي حل للأزمات العربية عموماً لابد وأن ينطلق من تعزيز مفهوم الدولة المدنية العلمانية وليس تعزيز الطائفية والصراعات المذهبية. وهذا ينطبق على الحل في سورية.
تجربة الحرب الأهلية السورية التي تحولت إلى حرب إقليمية ودولية تقول أن العرب لم يتعلموا من تجربة العراق وفي اليمن لم يتعلموا من التجربة السورية والله أعلم ماذا سيحصل بعد. وبدلاً من الانتصار للشعوب ومطالبها العادلة في الحرية وحل المشاكل بطرق سلمية وسياسية حتى لو أدى ذلك للتوصل إلى حلول انتقالية تمهد لحلول جذرية تمتد على مساحات الوطن والأجيال القادمة التي يجب حمايتها من ويلات الحروب والمآسي التي تبدأ بمصالح شخصية وحسابات ذاتية وحزبية وطائفية وتتوسع إلى حسابات إقليمية ودولية معقدة تتداخل فيها المصالح بعيداً عن جذر المشكلة التي بدأت بشأنها الصراعات. والنتيجة التدمير الكامل للدولة المعنية لتظهر الحقيقة المرة التي لا ينبغي تجاهلها وهي أن الهدف الخفي وراء التدخل في الصراعات والخلافات المحلية يبدو القضاء على وجود الدولة أكثر مما هو الهدف إسقاط النظام واستبداله. صحيح أن يعض الأنظمة دموية ودكتاتورية وتلتصق بالحكم باعتباره ورثة الآباء وحقا للأبناء من بعدهم، ولكن إسقاطهم لا يعني بأي حال هدم الدولة وتفكيكها، بل هناك طرق لانتزاع تنازلات من هذه الأنظمة وإجبارها على اتباع الطرق الديمقراطية التي في النهاية تؤدي إلى إسقاطها بأقل الخسائر الممكنة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال أحزاب وحركات جماهيرية لها وزن وثقل وقادرة على التأثير لأنه حتى لو سقط النظام ولم تكن هناك بنية مدنية قادرة على احتواء الوضع سيتم لنتاج دكتاتورية أسوأ وغالباً تكون دينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد