الممثلة سحر لبّد : أمام الكاميرا.. فلسطين 'مشهد' و'رسالة'

سحر لبّد

الساعة تشيرُ إلى الثانية فجرًا، نزلت سحر من الباص، وتلفتت يمنةً ويُسرة خشية أن يكون رآها أحد، فتحت باب بيتها بسرعةٍ وتسللت على أطراف أصابعها نحو الداخل، نبضات قلبها الخائفة كانت تتعالى مع كل خطوةٍ نحو غرفتها حتى حدث ما كانت تخشاه.

"بدري يما.. بدري"، جاء صوت أمها الغاضب خافتًا خشية أن يصحو أحد، "لقد انتظرتُ عودتك أكثر من تسع ساعات". في الحقيقة لم تكن تلك "البهدلة الخفيفة" إلا لأن عودة سحر تزامنت مع حديث الأخبار عن حدثٍ أمنيٍ حينذاك، فأمها كانت تتفهم تمامًا طموح ابنتها التي اختارت "التمثيل" مهنةً وشغفًا عام 2018م ليتوالى ظهورها في أعمالٍ درامية مختلفة مع مؤسساتٍ في الداخل والخارج.

سحر لبد التي تبلغ من العمر (25عامًا) هي خريجة تخصص الإذاعة والتلفزيون من جامعة الأقصى، بدأت رحلتها مع التمثيل في تلك اللحظة التي سألت فيها معلمة الإذاعة المدرسية، وكان اسمها "مروة" طالبات الصف العاشر، عن رغبتهن في الالتحاق بفريق التمثيل المسرحي، فرفعت سحر يدها وقالت "أنا".

"رسائل من حمام"

في ذلك اليوم، استعدت "سحر" جيدًا للدور الذي ستؤديه في مسرحية "رسائل من حمام"، التي كانت تجسّد معاناة غزة بفعل الحصار، في ختام مشهدها، رفعت علم فلسطين، فلقِيَت تصفيقًا حارًا من زميلاتها ومعلماتها اللواتي هتفن فأوقدن في قلبها شعلة الشغف.

بعد فوز المسرحية بالمركز الثاني على مستوى محافظة شمال قطاع غزة، همست مديرة المدرسة في أذنها تقول: "قديش إنتي موهوبة"، فرسخت في عقلها الفكرة، لكن، كيف كانت ستصارح محيطها الذي يرفض فكرة التمثيل للمرأة، جملةً وتفصيلًا؟! تركت الأمر لأوانه، وانقطعت فترةً عندما بدأ عام " التوجيهي "، مرّت الأعوام بعده ثقالًا، كل الأيام تشبه بعضها، حتى العام الجامعي الثالث.

أطلقت الجامعة فعالية إذاعية، لمسرحية تحاكي أحداث انتفاضة القدس ، في ذلك الوقت كانت سحر تمر بظروفٍ صحيةٍ صعبة، لكنها قررت أن تتجاوز كل ألمٍ تشعر به في سبيل تحريك مياه حياتها الراكدة من جديد، قررت أن تشارك، لتجد نفسها بعدها مباشرةً وقد شاركت في مسرحيةٍ أخرى ضمن تكليف لمساق جامعي بعنوان "الابتزاز الإلكتروني"، التي أعدتها هي وحصلت فيها على أعلى علامة.

لقد عاد الشغف يطرق باب قلبها، حتى تعثرت بإعلانٍ نشرته فضائية الأقصى عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" يطلب ممثلين وممثلات للعمل في "مسلسل درامي"، جاء زميلها يدفعها للمشاركة قائلًا: "سحر أنتِ هتكوني، بس جربي". قدمت طلبها في آخر يوم وهي تحدث نفسها: "لعل في الأمر خيرٌ لا أعلمه"، لتصلها بعد عدة أيامٍ من الترقب رسالةً نصيةً تقول: "تم قبول طلبك، يرجى الحضور إلى المقابلة الشخصية".

جهزت سحر مشهدها الذي ستقدمه أمام اللجنة بالاستعانة مع زميلة لها، لكنها أمام اللجنة غيرت كل شيئ، قدمت مشهدًا ارتجاليًا معبرًا عن مدى شوقها واحتياجها لوالدها المتوفى منذ عام 2012م، ختمته بقولها: "يابا أنا اشتقتلك، ارجعلي"، لقد غادرت المكان بعدها والدموع تتساقط من عينيها، والمطر فوق رأسها يهطل بغزارة.

تعطل هاتفها المحمول بعدها، وبعد وقتٍ أصلحته، فلما فتحته في سيارة الأجرة التي كانت تشاركها أمها فيها الجلوس، فوجئت بعدة رسائل وصلتها من الفضائية بقبولها ضمن فريق العمل للمسلسل، وضرورة حضورها للمقابلة الثانية.. كانت الفرحة لا توصف، لقد ذهبت، وحضّرت مشهدًا من مشاهد المسلسل نفسه، أدّته بمنتهى الإتقان، فوقع الاختيار عليها قولًا واحدًا.

دخلت سحر في مجازفةٍ في الحي الذي تسكنه، في ذلك المجتمع لم يكن أحد يدري عن أمر تمثيلي شيئًا إلا أمي وأهل بيتي، كنتُ أخشى من أي كلمةٍ يمكن أن تؤذي مشاعر أمي، لهذا آثرت الصمت والعمل على ما أحب دون أن أخبر أحدًا.

"هاي سحر بنت يوسف"

كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحًا، عندما استعدت سحر للانطلاق من أجل تصوير أول مشهدٍ لها في المسلسل، ركِبت الباص مع زملائها الممثلين، الذين اطمأنت أمها لرؤيتهم، "لكن كان هناك هيبة للكاميرا" تعلق.

وتزيد: "في اليوم الثاني، جهزت حقيبتي السوداء، ووضعت فيها ثوبًا فلاحيًا استعرته من جارةٍ لي دون أن أخبرها لمن ولماذا استعرته؟"، متابعةً: "بدأت أشعر بألفة مع الكاميرا، صرت أشعر وكأنني أمثل أمام أمي".

بدأت سحر تتعايش مع الفكرة، وأقنعت نفسها بقولها: "طالما لا أفعل شيئًا خاطئًا، طالما أنني ملتزمة بأعراف وتقاليد المجتمع، وأخلاقي التي تربيت عليها قبل أي شيء، لماذا علي أن أبقى خائقة؟ لماذا علي أن أصمت عن الإنجاز الذي أقدمه لقضيتي ووطني من خلال الفن؟".

يومَ عُرِف الأمر، انتهى كل شيء، لم تعد هناك عقبات تقفُ في وجه تحقيق "الحلم"، يومها اتصلت جدة سحر تسأل بعد أن شاهدتها في مشهدٍ ضمن مسلسل "حساب مفتوح" على قناة الأقصى: "مش هادي سحر بنت يوسف؟" لتجيب أمها ببعض الخوف: "نعم.. هي".

جاءت ردة فعل الجدة مغايرًا للمتوقع، رفرفت السعادة في صوتها الذي جاء عبر الهاتف متعبًا، اختلف كل شيءٍ منذ ذلك اليوم، "حتى أخي الصغير صار يمشي ويقول، أختي سحر ممثلة وبتطلع على التلفزيون" تضيف.

شاركت سحر في عدة أعمال، سواءً في التمثيل أو التصوير أو الصحافة بالعموم، تقول: "لازم الواحد يشتغل بدل الشغلة الوحدة شغلتين ثلاثة حتى يقدر يأمن نفسه"، فقد مثّلت سحر في مسلسل "حبر النار"، و أدت أربع فواصل إنسانية ووطنية، وثلاثة أفلام، منها اثنان تم تصويرهما لصالح مؤسسةٍ في تركيا، الأول بعنوان: "مخاض" وتقمصت فيه شخصية الأسيرة فاطمة الزق، بعد قراءة وبحث معمق عنها، والثاني عن "عائلة دوابشة" -ولم يتم عرضه بعد- حيث تعرضت سحر لحرقٍ في قدمها أثناء تمثيلها الدور.

بعد رفضٍ تام لفكرة التمثيل، صارت "سحر" مصدر فخرٍ لعائلتها، لقد بات كل من يراها منهم يباغتها قبل "كيف حالك؟" بسؤال: "شو يا سحر، شو آخر أعمالك؟ ما في شي جديد؟".

ملاحظة: هذه المادة هي مخرج تدريبي لدورة "فن كتابة القصة الصحفية" التي نفذتها مؤسسة بيت الصحافة/ يونيو- حزيران- 2020م.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد