واقعنا السياسي يشهد أزمات تصل إلى حد خنق الأفق، فلا يكاد المتابع يرى بصيص أمل فيما هو قادم، وهو ينظر ويقيم واقع الحال وما آلت إليه الأمور في كل الملفات وبدرجة أساسية المفاوضات والمقاومة والمصالحة.


ونبدأ من المصالحة فبعد ما يزيد على ثماني سنوات من الانقسام البغيض الذي استنكره الجميع وتدخلت فيه أطراف كثيرة عربية ودولية لرأب هذا الصدع ولثم هذا الشرخ إلا أننا ما زلنا نراوح مكاننا في هذا الملف بل إنه أصبح ضاغطا بدرجة أكبر على المواطن الفلسطيني الذي يتأثر بشكل مباشر بفعل هذا الانقسام لأن انعكاساته على واقع حياة الأفراد أكبر بكثير من أي شيء آخر، ودعونا نمر على هذه المراحل وما أفضت إليه من نتائج فعلية، ونبدأ من مبادرة الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي في شهر مايو 2006، والتي أكدت على نبذ كل مظاهر الفرقة والانقسام وما يقود إلى الفتنة، وإدانة استخدام السلاح مهما كانت المبررات لفض النزاعات الداخلية، وتحريم استخدام السلاح بين أبناء الشعب الواحد، والتأكيد على حرمة الدم الفلسطيني، والالتزام بالحوار أسلوباً وحيداً لحل الخلافات.


وتطور المشهد الفلسطيني بشكل أكبر ووقعت المواجهة وأصبح الانقسام واقعا حاصلا في حياتنا، وتدخل عدد من الأطراف الإقليمية لمحاولة رأب الصدع حتى جاء اتفاق مكة الذي وقع عليه كُلاً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في تاريخ 6-2-2007، وجرى التأكيد على أربعة بنود الأول نفس البند السابق الذي ذكر في مبادرة الأسرى والذي يدعوا إلى التأكيد على حرمة الدم الفلسطيني واتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات التي تحول دون ذلك، مع التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود الوطني والتصدي للاحتلال، وتحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، واعتماد لغة الحوار كأساس وحيد لحل الخلافات السياسية في الساحة الفلسطينية.


ثانياً: الاتفاق وبصورة نهائية على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفين، والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتكريسها.


ثالثاً: المضي قدماً في إجراءات تطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتسريع عمل اللجنة التحضيرية استناداً لتفاهمات القاهرة ودمشق وقد جرى الاتفاق على خطوات تفصيلية بين الطرفين بهذا الخصوص.


رابعاً: تأكيد مبدأ الشراكة السياسية على أساس القوانين المعمول بها في السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى قاعدة التعددية السياسية وفق اتفاق معتمد بين الطرفين.


وعلى هذا جرى التوقيع لتعود الخلافات من جديد والتراشق الذي أرهق الفلسطينيين حول من يتحمل مسئولية هذا الشقاق.


وبعد ذلك جاءت المبادرة اليمنية لاستئناف الحوار وإنهاء الانقسام الفلسطيني بتاريخ 5-8-2007 ، وعادت الانتكاسة من جديد،
ومن ثم جاءت مجموعة من الوثائق والاتفاقات التي دارت حول نفس البنود بشيء من التفصيل مرة، وبالرجوع إلى بنود غيرها من الاتفاقات في مرات أخرى وهي على النحو التالي:


- وثيقة عهد الوحدة والشراكة الوطنية الصادرة عن المجلس المركزي الفلسطيني بتاريخ 23-11-2008

- حوار القاهرة الذي انطلق ابتداء من تاريخ 26/2/2009 برعاية مصرية.

- محضر اجتماع بيان التفاهمات حول المصالحة الوطنية الفلسطينية يوم 27-4-2011 وجرى التوقيع عليه من قبل عزام الأحمد عن حركة فتح وموسى أبو مرزوق عن حركة حماس.

- الاتفاق على آليات تنفيذ اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني في القاهرة بتاريخ 20-12-2011 .

- إعلان الدوحة بتاريخ 6-2-2012 والذي استند على اتفاق القاهرة.

- اتفاق حركتي فتح وحماس بشأن القضايا العالقة في وثيقة الوفاق الوطني بتاريخ 20-5-2012 .

- وبعد ذلك بفترة جاء إعلان الشاطئ بين وفد منظمة التحرير وحركة حماس في تاريخ 23-4-2014 وهو آخر فصل من فصول هذه اللقاءات حتى الآن وجرى التأكيد على عدة أمور نفذ منها حتى الآن البند المتعلق بتشكيل حكومة توافق فلسطينية، وما زالت باقي البنود ، عالقة بانتظار تفعيلها حتى يلتئم هذا الجرح الذي ما زال ينزف في قلب الشعب الفلسطيني حتى الآن.


لا أحد يستطيع أن يتصور حجم المعاناة التي قاساها المواطن الفلسطيني بفعل هذه الانتكاسة الكبرى في تاريخنا والثمن الذي دفعه وما زال بفعل الاستمرار في هذا النهج التدميري لقضيتنا العادلة التي خفت بريقُ وهجها وتراجع حجم تأييدها بفعل هذا الانقسام، وفتحت الباب على مصراعيه للاحتلال الإسرائيلي ليستفرد بكلا المعسكرين ويضعفهما ويستنزف طاقاتهما فأوصل المفاوضات إلى طريق مسدود، وحاصر المقاومة ليضعف قدراتها، والفلسطينيون حتى هذه اللحظة ومع تكرار المواقف والدروس المختلفة لم ينهوا خلافاتهم التي استمرت لأكثر من ثماني سنوات، ما يدفعنا للتساؤل:


إذا كنا نحتاج إلى أكثر من ثماني سنوات حتى نصل إلى توافق داخلي فلسطيني، فما بالكم بما نحتاجه من وقت حتى نصل إلى حل مع الإسرائيليين، المراهنة على الوقت وطول المدة في إنجاز ملف المصالحة لتغير اللاعبين الإقليميين وتجديد نقاط القوة لدى كل طرف من طرفي الانقسام لم تحقق شيئا في ما مضى ولن تحقق شيئا فيما هو قادم، فلماذا استمرار منهج المراهنة على الوقت والغير فيما بات يعرف لدى الجميع بمحاولة الإستقواء بالخارج التي لن تثمر شيئا لا للقضية الفلسطينية ولا للشعب الفلسطيني، وتكريس استمرار الانقسام وانعكاساته على معاناة أبناء شعبنا في كل أماكن تواجده، لأن الوجهة الفلسطينية ليست واحدة، والقرار الفلسطيني مجتزأ وناقص، والمشروع الفلسطيني مهدد بضياع الوجهة والهوية بين أطراف ما زالت حتى هذه اللحظة تتجاذبه يمنة ويسرة، فبقي يراوح مكانه دون حراك، فيما يتقدم الاحتلال كل يوم على أصعدة مختلفة من تهويد واستيطان وقضم للأراضي الفلسطينية وتهديد مباشر بالحرب والويل والدمار لمناطق فلسطينية أخرى، كل هذا أدى إلى الضياع الحالي الذي تعيشه قضيتنا، وما أسهل أن يتم افتعال معارك جانبية هنا وهناك وتراشق إعلامي غير مبرر يفضي إلى مزيد من الانقسام وتكريس حالة اللا حل والضياع التي يسعد بها كثيرا الاحتلال الإسرائيلي فهو الرابح الوحيد في هذه المعادلة.


رابط الوثائق في وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وفا والتي تضم النصوص الكاملة لجميع هذه الاتفاقات:


http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=4879

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد