بالصور: على عاتق كُشك 'سعيد'.. يقع همُّ 'الخريجين' بغزة

سعيد لولو شاب يعمل في كشك أطلق عليه اسم "كشك الخريجين" على شاطئ بحر غزة

بابتسامةٍ تمزجُ بين القهر والأمل؛ يقف سعيد لولو إلى جانب كشكه الخشبي المتواضع، لنلتقط له صورة، تمامًا كصديقين التقيا في وقت الضيق.

هذا الكشك الذي زينه بقبعتَي تخرج، ورصَّ على رفوفٍ صنعها من الأخشاب المتهالكة بداخله، أكواب الكرتون، ليبيع فيها أصناف المشروبات الساخنة على اختلاف أنواعها، يحمل بين زواياه آلاف الحكايا، والكثير الكثير من مشاهد المعاناة الحية.

سعيد (33 عامًا)، هو خريج قسم الإعلام والعلاقات العامة من كلية الدراسات المتوسطة بجامعة الأزهر ب غزة عام 2007م، نظَرَ إلى واقع الخريجين في بلاده فرآه مزريًا كطفلٍ لا مُعيل له، كيف لا؟ وقد أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ارتفاع نسبة البطالة بين الخريجين مع انتهاء عام 2018م، إلى 50%!

لم يجد عملًا في تخصصه يقيه وعائلته ذُل السؤال. بدأ العمل في مطعمٍ للمأكولات الشعبية، ثم محاسبًا في إحدى الشركات إلى أن انتهى به المطاف بافتتاح مشروعٍ صغير، هو "كشك" لبيع الشاي والقهوة، أسماه "كشك الخريجين" ليسلط الضوء على واقعهم المرير، في ظل حصارٍ بات عمره اليوم 14 عامًا.

6b1bd7c9-a8ff-4c36-b336-f97548512aff.jpg

 

محاولات واعتصام فردي

يساهم سعيد بدخل الكشك، في إعالة أسرته المؤلفة من سبعة أفراد، ويقول بثقلٍ يظهر في نبرة صوته: "أنا مليئٌ بالديون".

لقد كان سعيد يقترض المال سابقًا من إحدى المؤسسات ليلبّي احتياجات أسرته الأساسية، ويحاول سدّ أجزاءٍ منها، من ما يقتطعه من مردود بيع المشروبات الساخنة "البسيطة أصلًا".

خلال لقاء "سوا" بسعيد، توقفت أمام الكشك سيارةٌ بيضاء، فقطع حديثه، وتوجه نحو صاحبها الذي قال له بصوتٍ مسموع "إن عليك سداد الدفعة المالية المستحقة، في أسرع وقت ممكن".

عادَ سعيد يجر معه وجعه، وبدأ يسرد قصته عندما اغتيل حلمه على أعتاب أولى سنوات الحصار، فلم يستطع إتمام مسيرته التعليمية في مجال العلاقات الدولية بجامعة فلسطين، نظرًا للظروف المعيشية التي تكاد تكتم أنفاسه.

يقول: "عندما فقدت الأمل في العمل بتخصصي، انضممتُ متطوعًا للعديد من مؤسسات المجتمع المدني، والمبادرات الوطنية التي تنادي بإنهاء الانقسام الفلسطيني، بل وحاولت خلق مشاريعٍ صغيرة لنفسي، علها تقيني وعائلتي شر الفقر.. لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل".

d7853bc6-1f6f-4cd8-88a0-fa1398fcf7b9.jpg
"أنا خريج بدي شغل"، شعارٌ رفعه سعيد بين ذراعيه في سماء ساحة الجندي المجهول، حين عمل على تنفيذ اعتصامٍ فرديٍ عام 2016م، للمطالبة بحقه في العمل كخريج، ولدعوة أصحاب القرار إلى إعادة النظر في حقوق هذه الفئة التي داس الانقسام أي أملٍ يمكن أن يصل بها إلى بر الأمان.

في ذلك اليوم، نصبَ سعيد خيمة في ساحة الجندي المجهول بغزة، وافترشها كبيت يأويه طيلة (35 يومًا)، ينام فيها ليستيقظ باكرًا، ويبدأ يومًا جديدًا من الاعتصام، هكذا، حتى حضر أحد الشبان بعد قرابة ثلاثة أيام ليشاركه الاعتصام. ثم تلاه آخر، وآخر، وغيره، إلى أن انتهى الاعتصام.

أحد المسؤولين هاتف سعيدًا، وأخبره بإمكانية توفير فرصة عملٍ واحدةٍ له هو، إن أوقف اعتصامه، إلا أنه رفض قطعًا، وطالب بحلٍ عادل يشمل كل من كان يقف معه في نفس المضمار آنذاك.

ماذا بعد؟

مسيرةٌ حافلةٌ بالخيبات في مجال العمل، رافقت سعيد حتى التقاه مجموعة من أصدقائه لمساعدته في خلق مشروعٍ صغيرٍ يسدد به ديونه، ويخفف عنه وعن عائلته حملهم المزدحم بالأثقال، من هنا بدأت فكرة "كشك الخريجين" التي تقفُ اليوم أمام مفترق طرق بسبب إطباق الحصار يده على خناق الأحلام هنا.

يخاطب سعيد اليوم خياله في الليالي الهادئة، شاخصًا بعينيه نحو الهجرة، عله استطاع إيجاد عملٍ يُساعده على المعيشة وبناء بيت، بل والزواج من فتاةٍ يستطيع وإياها اقتسام لقمة العيش، وتكوين أسرة.

سعيد، ورغم مشاهد حياته المتعرجة، والمتأرجحة على كفي الحصار، إلا أن السلام الداخلي يلازمه في أغلب تفاصيل حياته، "فإلى جانب صديقه الكشك الذي يشبه معيل الأسرة، أحضر سعيد شجرة الفي (الظل)، وزرعها هناك (قرب الكشك) ليتسامر وإياها في ساعات الليل"، يخبرها إلامَ آل إليه وضعه في غزة؟ وبماذا كان يحلم؟ هو لا يسمع إلا حفيف أوراقها، التي يؤمن أنها تطلب منه أن يصبر بعد أكثر، حتى يحدث الله أمرًا.

ملاحظة : القصة، مخرج دورة تدريبية عقدتها مؤسسة بيت الصحافة بعنوان: (كتابة القصة الصحفية).

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد