عندما رحبت الرياض، بعقد حوار يمني على أراضيها، يضم كافة القوى والأحزاب اليمنية المؤثرة والفاعلة، بهدف وضع حد للاقتتال الداخلي، كانت تعلم أن ميليشيا الحوثيين سترفض هذه الدعوة، لكن الدعوة ظلت قائمة إلى أن طلب الرئيس اليمني تدخلاً سعودياً خليجياً عربياً لنجدة الشعب اليمني الذي بات مهدداً بحرب أهلية، تتحكم بها ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران، وكان من المرجح أن السعودية لن تقدم على فعل هذه الخطوة إلاّ بعد الحصول على ضوء أخضر من مؤتمر القمة العربي الذي كان من المقرر أن يعقد بعد ثلاثة أيام في حينه، غير أن ما حدث أن قام التحالف الخليجي، والذي بات تحالفاً عربياً، بالاستجابة لمطالب الرئيس اليمني الشرعي، واستبق هذا التحالف القمة العربية لكي يضع القيادات العربية أمام الأمر الواقع، وهذا ما حدث، فلم تعد المسألة اليمنية واحدة من القضايا التي ستناقشها القمة، بل باتت على ضوء «عاصفة الحزم» القضية المهيمنة على أعمال القمة، وحتى القضايا الأخرى، باتت متعلقة حول القرارات المحتملة الخاصة بها ارتباطاً بالموقف من «عاصفة الحزم» الأمر الذي يعني مزيداً من الاستقطاب والفرز داخل المنظومة العربية الرسمية.
العنوان الأساسي لهذه القمة، هو «العمل العربي المشترك» وهو عنوان واسع يفسح المجال للحديث من البيئة حتى التبادل التجاري، لكن الأوضاع العربية الراهنة، ستحصر هذا العنوان تحت عنوان أساسي، وهو إحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك»، وهي المعاهدة التي لم تر النور من الناحية العملية، وتم الحديث عنها في ذلك الوقت، في محاولة عربية للمواجهة مع العدو الصهيوني المحتل للأرض الفلسطينية، أما الآن فمن المتوقع إلى حد كبير، أن يتحول العنوان من «معاهدة دفاع» إلى قوات عربية مشتركة، والتغيير ليس في العنوان، بل في الهدف والتوجه، ذلك أن هذه القوات، هي عبارة عن قوات تدخل للحفاظ على شرعية الأنظمة القائمة المهددة، إما بفعل تحركات وانتفاضات داخلية، أو في مواجهة أطماع امبراطورية متجددة، كالامبراطورية العثمانية والامبراطورية الفارسية، والتهديد الأكثر احتمالاً، بسيطرة إيرانية على باب المندب من خلال التمدد الحوثي، الأمر الذي يهدد بمخاطر جسيمة على السعودية وكل دول الخليج بالإضافة إلى التهديد المباشر لقناة السويس وميناء العقبة الأردني.
سيطرة الأجندة المرتبطة بتطورات الوضع في اليمن، سيؤثر من غير شك على حصة القضية الفلسطينية من اهتمامات القمة العربية، وإذا كانت هذه القضية قد حظيت بدعم خطابي متواصل في القمم العربية السابقة، فعلى الأرجح أن حتى هذا الدعم الهامشي، قد لا تحصل عليه قضية العرب التي كانت الأولى!!
يقول العاهل السعودي في كلمته أمام القمة إن «عاصفة الحزم» ستستمر، لكن حسابات الحقل غير ما هي عليه حسابات البيدر، فإذا ما أدت هذه العاصفة إلى تراجع قوة وسيطرة الميليشيا الحوثية، ما يضطرها إلى التجاوب مع دعوات الحوار من موقع الند وليس المسيطر، وباعتبار أن الحوثيين أيضاً عانوا من ظلم كبير خلال الحكومات اليمنية المتعاقبة، لكنهم تجاوزوا كل حدود، عندما تغولوا وسيطروا على اليمن مستفيدين من ضعف القوى الشرعية، إلاّ أن ذلك لا يجب أن يهدر حقوقهم كمكون يمني له مكانته ودوره شريطة عدم الارتباط بالمصالح الخارجية، خاصة الإيرانية منها.
في هذه الحال، من المستبعد أن تستمر «عاصفة الحزم» بل ستهدأ إذا كان الهدف من ورائها العودة إلى الحوار، لكن وفي كل الأحوال، فإن ما قبل العاصفة ليس كما هو بعدها، ذلك أنه من المتوقع أن تؤدي هذه العاصفة، حتى بعد توقفها وعودتها إلى الهدوء، إلى تغير في الخارطة السياسية في المنطقة العربية، جملة من المصالحات، بدأت بالفعل في حالة الاحتضان بين الرئيس السيسي والأمير تميم، كما يلاحظ بهذا المسار أيضاً، إقدام القضاء المصري على سحب ملف الحكم على حركة حماس باعتبارها حركة إرهابية، في توقيت متناغم يشير إلى أن جملة من المتغيرات على صعيد الخنادق السياسية قد جرت وستجري.
من هنا، فإن لهذه القمة أهميتها الكبيرة، على صعيد المنطقة والإقليم، و»عاصفة الحزم» ما هي إلا اختبار لمدى قدرة النظام الرسمي العربي على استنهاض نفسه في ظل تنامي النتائج السلبية للربيع العربي ولتغول قوى الارهاب من ناحية، ومواجهة الأطماع الامبراطورية التي تستغل الضعف العربي للتمدد والهيمنة في ظل فرز مذهبي وطائفي بات جوهر المشهد العربي بشكل عام.
كلمة الرئيس عباس أمام القمة، رغم أهميتها وشموليتها، إلاّ أنها لن تغير من الناحية الواقعية التزامات القمة العربية أمام أجندة فرضتها الأحداث اليمنية، و»عاصفة الحزم»، كانت رسالة واضحة تحاول أن تجد لفلسطين مكانة في أجندة تحتشد أمام عنوان وحيد، اجتهاد لا يخلو من المسؤولية مع افتقاره للقدرة على الضغط بعدما باتت القضية الفلسطينية، واحدة من قضايا عديدة ليس إلاّ !!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد