شذى حسن السجن لم يكسر ارادتها

جيش الاحتلال الإسرائيلي

كانت الساعة تشير الى الواحدة بعد منتصف الليل عندما استيقظت شذى حسن على وقع خبر اقتحام مدينة رام الله ، فاتجهت مسرعة نحو النافذة لترى جيبات الاحتلال وعدد كبير من الجنود ومجندتين يسيرون في شارعٍ قريبٍ من منزلها، ابتسمت وقالت لوالدتها "أبصر مين بدهم يعتقلوا"، لم تدرك حينها أنها الضحية.

دقائق قليلة مرت قبل أن يُطرق باب منزلها بقوة، لتدرك أن عائلتها هي المقصودة، وتساءلت في قرارة نفسها عن سبب قدوم جنود الاحتلال الى منزلها هذه المرة بعد ان اعتقلوا في أوقات سابقة والديها وأشقائها.

ووصفت ما جرى خلال تلك الليلة قائلة "امتلئ البيت بالجنود، تفتيش هنا وتخريب هناك، وصراخ أحدهم يتساءل عن "البطاقات الشخصية"، وبعد تدقيقها قال موجهاً نظراته نحو شذى "أنت المطلوبة".

شذى ابنة القائد في حركة حماس بالضفة المحتلة ماجد حسن -أسير سابق-، لم تعش طفولتها كباقي أطفال العالم فهي التي كبرت على مصطلحات السجون عندما كانت تتجه لزيارة والديها أو أحد أشقائها، لم تتخيل يوماً أنها ستعيش تفاصيل الاعتقال وعذاباته.

رحلة العذاب

بنظرات حزينة مليئة بالغضب وفي ليلة شديدة الظلمة ودعت إخوانها المحتجزين في إحدى الغرف وعائلتها، قبل أن يتم تقييد يديها ب"الكلبشات"، ونقلها إلى إحدى نقاط التفتيش للتحقيق معها ومن ثم نقلها إلى معسكر "بن يامين" لتُترك مقيدة اليدين معصوبة العينين تجلس على كرسي ما يزيد عن ال6 ساعات دون حراك.

"بعد التعذيب النفسي الذي تعرضتُ له خلال الاعتقال، نُقلت إلى سجن عوفر لاستكمال رحلة العذاب، جلستُ في زنزانة الانتظار وقبل أن يتم استجوابي كان أمر الاعتقال الاداري صادرًا بحقي، فكل ما وجهه لي المحقق من تهم كانت عبارة عن شبهة لا دليل عليها" تقول شذى.

وتتابع: "بعد رحلة الاستجواب نُقلت إلى "معبار هشارون"، وهو عبارة عن غرفٍ صغيرة للغاية، باردة جدًا وذات رطوبة عالية، الفراش غير نظيف وعليه بطانية رمادية اللون لا تقي برد الشتاء، قضيت فيها 6 أيام كانت من أصعب أيام حياتي".

قبرٌ متنقل

وتضيف شذى: "كثيرا ما سمعت عن البوسطة لكنني لم أتخيل يوماً أنها بهذا الحجم من العذاب، لم يخطئ من وصفها بالقبر المتنقل، فهي عبارة عن زنزانة صغيرة للغاية فيها كرسي من حديد تجلس عليه مكلبش اليدين والقدمين، يحيط بك حديد تفوح منه رائحة الصدأ، يتنقل بين السجون لنقل الاسرى إلى محاكم الاحتلال ثم يعود بهم بعد النطق بالحكم".

وتستدرك "لم يكن التنقل عبر البوسطة أقل ألماً من لحظة النطق بالحكم، وأنا أنظر في عيني أمي وأختي اللتين منعتُ من معانقتهن، رغم الشوق الكبير الذي كان يقتلني في كل ليلة قضيتها بالمعبار؛ كان الحلم أنني سأعود معهن إلى البيت، لكن قرار الاعتقال الاداري بدد أحلامي وأثقل همي".

السجن نزهة

وأمام سجن "الدامون" تقف شذى مثقلة بالهموم تصارع نفسها كيف ستقضي 5 شهور من عمرها بعيدة عن عائلتها وصديقاتها؟ وخاصة أنها لم تنهي الدراسة الجامعية بعد، لكن سرعان ما تتدارك الأمر لحظة استقبال الأسيرات الفلسطينيات لها وخاصة من أمضين في سجون الاحتلال ما يزيد عن 5 سنوات.

وتقول شذى: عندما استقبلني ما يزيد عن 40 أسيرة بحفاوة وبدأن يعرفن عن أنفسهن وبالحكم الصادر بحقهن، شعرت بالخجل حين اعتبرت حكمي هماً لا يمكنني تجاوزه، حينها قررت أن أستجمع نفسي وأعتبر سجني "نزهة".

وتضيف: "تعلمت من تجربة والديّ وغيرها من تجارب الأسرى أن السجن عبارة عن وقت اذا ترك فارغاً قضى عليك ونال منك".

نجحت شذى في تحويل الألم الذي أحدثه الاحتلال في قلبها إلى أمل، وأن تخلق من ظروف المعاناة فرصاً لتطوير نفسها وتعلم أساليب حياة جديدة تُنمي من شخصيتها.

فعملت على وضع جدولٍ يومي كباقي الأسيرات، فقرأت الكتب، ودونت ما عاشته مع الأسيرات، وتعلمت طهي الطعام على "البلاطة" والأدوات الأخرى التي لا تشبه أدواتنا المنزلية، واستغلت قدرتها على اعطاء المحاضرات وخبرتها العلمية باعطاء دورات تدريبية وتوعوية للأسيرات، كما تقول.

حياة الأسيرات

لم تكن حياة الأسيرات في سجون الاحتلال بالهينة، فكثير من المنغصات تحول دون قدراتهن على الحياة التي فُرضت عليهن، ففي كل يوم يضطر الأسيرات للخروج من غرفهن للعدد ولدق الشبابيك، والذي تقوم إدارة السجون بفحص غرف الأسيرات خوفاً من محاولة هروبهن أو تهريبهن أجهزةً ممنوعة كمان يزعم الاحتلال.

كما يُحرم الأسيرات من ممارسة بعض من هوايتهن، حيث أصدرت مصلحة السجون قرارًا بمنع إدخال معدات تستخدم بالأشغال اليدوية، إضافة إلى منع الكتب الدراسية والكتب التوعوية، رغم وجود اتفاق مسبق بين الحركة الأسيرة وادارة السجن بتوفير مكتبة خاصة.

وفي ظل انتشار "وباء كورونا " تُواصل مصلحة السجون اهمالها بصحة الأسيرات، فرغم إصدارها قرارًا بمنع الزيارات بحجة الحفاظ على صحة الأسيرات، إلا أنها لم توفر المواد الطبية اللازمة للوقاية من الفايروس، وتكتفِ بتعقيم الباب الخارجي للغرف ب"كلور" وقليل من الماء.

ومع استهتار مصلحة السجون بحياتهن، تحاول الأسيرات الوقاية مع الفايروس من خلال منع استخدام الأغراض الشخصية من الآخر، اضافة إلى المحافظة على النظافة الشخصية والتباعد قدر المستطاع، وتنظيف الأسطح الخارجية بالكلور أو "الخل".

ورغم ما تتعرض له الأسيرات من مضايقات إلا أنهن يحاولن خلق أجواء من الفرح مع كل مناسبة تمر عليهن، ففي لحظة الافراج عن أسيرة "مثلاً" تصنع الأسيرات الحلويات وتنشد أناشيد الحرية معبرات عن فرحتهن بحريتها.

ملاحظة : هذا التقرير هو أحد مخرجات دورة فن التحرير الصحفي التي عقدها بيت الصحافة – فلسطين ، مؤخرا

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد