داعية فلسطيني يفتي: حكم صيام يوم السبت في غير رمضان

حكم صيام يوم السبت في غير رمضان

أصدر رئيس الدائرة العلمية في رابطة علماء فلسطين وأمين سر فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، محمد الفرا، فتوى بشأن حكم صيام يوم السبت في غير رمضان سواء أكان نفلاً أو فرضًا.

وفيما يلي نص البيان كما وصل وكالة "سوا":

أحكام صيام السبت في غير رمضان

صيَامُ يَومِ السَّبتِ نفلاً أو فرضاً، فِي غَيرِ شهرِ رَمَضَانَ لَهُ خمسةُ أحوَالٍ، إليكَ بيَانهَا:


الأول: إِفرَادُه بِصَومِ تطوُّعٍ دُونَ أن يوَافِقَ ذلكَ عادَةً للصَّائِمِ، فهذَا مَكرُوه عندَ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعَةِ [تحفة الفقهاء، للسمرقندي: 1/343، القوانين الفقهية، لابن جزي: 78، نهاية المحتاج، للرملي: 3/209، المغني، لابن قدامة: 3/171]، ودليلُ الكراهَةِ حَدِيثُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ) [الترمذي: 744]، قالَ التِّرمذِيُّ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَعْنَى كَرَاهَتِهِ فِي هَذَا: أَنْ يَخُصَّ الرَّجُلُ يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَامٍ، لِأَنَّ اليَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ» [سنن الترمذي: 3/111].

وعلَّةُ الكَرَاهَةِ أنَّهُ يَومٌ تُعظِّمُه اليَهُودُ، وقَد أُمِرنَا بمُخَالفتِهِم، ويُقاسُ عليهِ إفرَادُ يَومِ الأَحَدِ بصَومِ التَّطوُّعِ؛ لأنَّ النَّصَارَى يُعظِّمونَهُ، وهذِهِ العلَّةُ هِيَ التِي صَرفَت النَّهيَ فِي الحَدِيثِ مِن التَّحريمِ إلَى الكراهَةِ؛ لأنَّ النَّهيَ المُعلَّلَ بمخالَفَةِ أهلِ الكِتَابِ الأصلُ فيهِ أنَّهُ محمولٌ علَى الكراهَةِ [التوضيح، لابن الملقن: 28/125].

الثاني: التَّطوُّعُ بالصَّومِ يومَ السَّبتِ، مَع صَومِ يَومٍ قبلَه أو بعدَهُ مَعَه، وهذَا لا كراهَةَ فيهِ [الإقناع، للشربيني: 1/245]، ويشهدُ لذلكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: (لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَه) [البخاري: 1985، ومسلم: 1144]، وَحَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: (أَصُمْتِ أَمْسِ؟) قَالَتْ: لا، قَالَ: (تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟) قَالَتْ: لا، قَالَ: (فَأَفْطِرِي) [البخاري: 1986]، فالحِديثَانِ يدُلَّانِ عَلَى جوَازِ التَّطوُّعِ بصَومِ السَّبتِ فِي حَقِّ مَن صَام الجمعَةَ قَبلَهُ.

الثالث: التَّطوُّعُ بالصَّومِ يومَ السَّبتِ مُفرَداً، إذَا وَافَقَ ذلِكَ عادةً للصَّائِم؛ كمَن اعتادَ أن يَصُومَ يوماً ويُفطرُ يَوماً، وهذَا لَا كراهَةَ فِيهِ [أسنى المطالب، لزكريا الأنصاري: 1/432، فتح الباري، لابن حجر: 10/362]، ودليلُهُ حديثُ عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا) [البخاري: 1131، ومسلم: 1159]، ومعلومٌ أنَّ الذِي يَصومُ يَوماً ويُفطِرُ يَوماً سَيَصُومُ السَّبتَ مُنفرداً.

الرابع: صومُ النَّافلةِ في يومِ السَّبتِ لسبَبٍ مشرُوعٍ؛ كأَن يُوَافِقَ يومَ عَرَفَةَ، أو يومَ عَاشُوراءَ، أو ستَّةَ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ، أو تِسعَ ذِي الحِجَّةِ، أو الثَّالِثَ عشَرَ والرَّابِعَ عشرَ والخَامِسَ عَشَر مِن كُلِّ شَهرٍ عربيِّ، فهَذَا لَا بأسَ بِهِ، ولا كراهةَ فيهِ؛ لأنَّهُ لَم يصُمهُ لأنَّهُ يَومُ السَّبتِ، بَل لأنَّهُ مِن الأيَّامِ التِي يُشرَعُ صَومُهَا [فتاوى ابن عثيمين: 20/57]، ويَشهدُ لذلكَ عمومُ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ الْقَيْسِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْمُرُ بِصِيَامِ لَيَالِي الْبِيضِ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ، وَقَالَ: هِيَ كَصَوْمِ الدَّهْرِ) [مسند أحمد: 20316، وإسناده حسنٌ].

الخامس: أن يَصُومَ السَّبت فيمَا وجَبَ عَليهِ؛ ككفَّارَةِ يَمينٍ، أو ظِهَارٍ، أو جِمَاعٍ فِي نهارِ رمضَانَ، أو يصومَه عَن نَذرٍ نَذَرَهُ، أو قضَاء أيَّامٍ أفطرَهَا فِي رمضَانَ بسبَبِ مَرَضٍ، أو سفَرٍ، ونحوِهِ، فالأصلُ فِي ذلكَ كُلِّهِ المشروعيَّةُ دُونَ كراهَةٍ [مجمع الأنهر، لشيخي زاده: 1/254، عجالة المحتاج، لابن الملقن: 2/552، شرح منهى الإرادات، للبهوتي: 1/495].

واللهُ تعالَى أعلمُ.

✍ محمد سليمان نصر الله الفرا
السبت 7 شوال 1441 هـ
الموافق 30 أيار 2020 م

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد