ارتفع عدد الأسرى الفلسطينيون في السجون الاسرائيلية في أعقاب هزيمة حزيران 1967 ، حينها لم تتبلور قوانين ولجان وتنظيمات قوية في السجون ، بل كانت بداية لتأريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة مقابل نفسية سجان كيانه انتصر على عدد من الدول العربية واحتل كل فلسطين وسيناء والجولان وشعر بحلاوة القوة والنصر والعربدة .


انعكس هذا الواقع على المعتقلين وفرضت عليهم إدارة السجون كلمة " ياسيدى " على العدد والمعاملة ، كان السجان يسأل الأسير عن اسمه ويعاقبه وينكل به ويعزله فيما لو لم يرد " نعم يا سيدى " .


قال أحد الأسرى : دخل السجان إلى الفورة " ساحة الخروج " ذات مرة وقال لى : ما اسمك ؟ قلت فلان . لطمنى بصفعة مدوية لا أدرى ما السبب ، عاود السؤال مرة أخرى : قلت اسمك ؟ أجبت فلان ، فلطمنى بصفعة ألهبت خدى من جديد ، وقال لى: قل فلان يا سيدى ، وبقينا فترة على هذا الواقع المرير .


بعد فترة من بدء الاعتقال بدأ النضال لرفض هذه الكلمة المهينة والمذلة ، وقال أسير : دخل أحد الضباط علينا في الغرفة ذات يوم وسأل : هل من طلبات ؟ قلنا : نعم ، قال أين كلمة يا سيدى ؟ قلنا انتهى زمانها ولن تعود ، قال إذن ما فيش طلبات .


لقد انطلقت تلك الكلمات على نفسية الضابط كصليات مدفع رشاش تثير رعشة النصر مع كل نغمة من نغمات حروفها ، نعم دفعنا أثمان مقابل لغيها ولكنها انتهت إلى الأبد وأدركت إدارة السجون أن الأمر بالنسبة الينا كرامة ثمنها لا يفرق " الحياة أم الموت " .


وتطورت الحركة الأسيرة بتنظيمها وقوتها ووحدتها وتناسق خطواتها ، وقوة المؤسسة الاعتقالية ، والتزام الأسرى وصمودهم وتضحيانهم أمام إدارة مصلحة السجون الاسرائيلية ، حتى انقلب الأمر ، وأصبحت إدارة السجون تستجدى الأسرى بعدم المس بالسجان مقابل حقوق .


أذكر أن زوجة أسير ونحن في نفحة في في العام 2000 تقريبا تم تفتيشها بشكل غير مقبول ، ونزل تعميم اعتقالى بالرد على هذه الفعلة الشنيعة ، فحضر مدير السجن والطاقم يعتذروا ويطلبوا تهدئة الأجواء ، ولكن الفعلة لم تمر ، فخرج أحد الأسرى مع سكين ، وقام بطعن ثلاثة مقابل الفعلة " المدير والضابط والشرطى " ، الأمر الذى تكرر عشرات المرات كان آخرها عملية حمزة أو صواوين في ريمون بسبب كسر المعادلات القائمة من قبل إدارة مصلحة السجون .


من هنا أقول ان كرامة الأسرى والتأريخ المشرف للحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة لم يكن منة ولا حسن نوايا ولا التزام بالمواثيق الدولية من قبل الاحتلال ، انما جاء بالتضحيات الجسام ودماء الشهداء وأرطال اللحم في أعقاب عشرات الاضرابات المفتوحة عن الطعام ، وأن قوة وعزة الحركة الأسيرة وتغيير المعادلات لصالحها في السجون نتاج عملية تراكمية تحققت بفضل التضحيات الجسام ، وأن تلك التجربة الاعتقالية جديرة بالاهتمام والترجمة والنقل لكل العالم لأنها تستحق أن تدول ولأنها محل فخر واعتزاز .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد