ربما استغربت عزيزي القاريء من اسم المقال ( مطار فلسطين الدولي ) ، فكما هو معروف أن المطار هو بوابة للسفر ذهابا وإيابا ، يرتادها المواطنون في أي دولة كانت ، قاصدين السفر عبرها ، منهم من يسافر بقصد الترفيه والتصييف وقضاء إجازات ممتعة ، ومنهم من يقصده بهدف الدراسة في مكان ما من العالم بغية الوصول الى أعلى درجات العلم والمعرفة ، ومنهم من يقصده بدافع الهجرة من وطنه متمنياً إيجاد وسائل أفضل للحياة في بلاد المهجر ، ومهما كانت الأسباب فهي طوعية ، يقدم عليها المواطن بمحض إرادته او ربما تجبره ظروف حياته للإقدام عليها طلبا في حياة أفضل أو لأسباب أخرى متنوعة ..

ولكن مطار فلسطين الدولي يختلف في شكله ومضمونه وأهدافه عن بقية مطارات العالم ، فهو مطار قسري ، فيه السفر إجباري ، لا أحد يختاره ولا يقصد طريقه بإرادته ، وهو ليس موجودا على خريطة العالم أصلا ، وليس محددا ببقعة جغرافية ولا مساحة معينه من الوطن ، تجده في كل مكان من بلادي ، فمنذ العام 48 والفلسطينيون يقتادون إلى هذا المطار قسرا وغصبا عنهم ، بعد تهجيرهم من أراضيهم وبيوتهم ومزارعهم ، فسلكوا دروبا ضيقة وطرقا شائكة واتجهوا الى مطارهم مجهول الهوية وركبوا طائرات لا اتجاه لها ليطبق عليهم حكم الترانسفير او التهجير قسرا ويطلق على الواحد فيهم اسم (لاجئ) ، ويسكن مكانهم أغراب لا انتماء لهم ولا هوية ويدعون أنهم هم أصحاب الوطن الحقيقيون ، أتوا من بقاع مختلفة من العالم ليتخذوا فلسطين وطن قومي لهم حسب وعد بلفور المشئوم (وهو اعطاء ما لا يملك لمن لا يستحق ) ويطردوا منها اهلها الحقيقيون ، ومرت السنون وتكرر التهجير أو ما يسمى ( الترانسفير )في العام 67 ، ليعود الفلسطينيون الى نفس الدروب والطرق الشائكة ، ليصلوا الى بلدان غريبة عليهم ، ومرة أخرى ( لاجيء )، هذه الصفة التي وصمت على جبين الفلسطيني ، ليحملها معه أينما ذهب ويورثها لأبنائه وأحفاده ، مع مفتاح بيته وأوراقه التي تثبت أنه كان له وطن يدعى فلسطين وله فيه بيوت ومزارع وذكريات وصور وامور كثيرة .....

في كل مطارات العالم يوجد بوابتان ، واحده للمغادرين وأخرى للقادمين ، في مطار فلسطين أيضا يوجد بوابتان ، ولكن الأسماء والمعاني فيه تختلف ، فالبوابة الأولى تسمى بوابة التهجير والإقتلاع من الجذور ، والبوابة الأخرى تسمى بوابة الحنين والعودة التي ما زالت مقفلة حتى اليوم في انتظار من يفتحها ، ليعود كل فلسطيني الى وطنه وبيته وأرضه ....

المؤلم حقا أنه رغم كل القرارات الدولية ورغم كل الوعود الزائفة باقتلاع حق الفلسطيني في العودة الى وطنه ، إلا أن إسرائيل ما زالت تصم اَذانها فلا تسمع نداءات العالم بهذا الخصوص ، لا بل على العكس ، فهي ما زالت تستخدم أسلوبها الرخيص في تهجير الفلسطينيين من بيوتهم ووطنهم ، وخاصة في مدينة القدس الشريفة ، التي تسعى الصهيونية إلى تهويدها وتهويد المسجد الأقصى الحبيب ، فعملت على زرع البؤر الإستيطانية والعائلات الصهيونية وسط العرب في القدس تحديداً فاستولت على أجزاء من بيوتهم ، وأسكنت فيها القظارة الصهيونية ، فأصبحت معاناة الفلسطيني شبه مسلسل يومي لا ينتهي ، تخيل أيها الإنسان أن يأتي غريب ويقتسم معك بيتك ، دفئك ، أمنك ، يقتحم خصوصياتك ، وليس اي غريب إنه صهيوني حقير قذر ، ماذا كنت لتفعل ؟؟؟؟وهذا ليس في القدس وحدها بل تكرر في البلدة القديمة في الخليل ، وفي نابلس وفي كل المدن الفلسطينية ..

بالإضافة الى إبعاد الكثير من أهالي القدس خارج المدينة ،و إخطار عشرات بل مئات العائلات الفلسطينية بإخلاء بيوتهم بدافع أنها ليست ملكهم وأن من يملكها هم زعران الصهاينة ، وقد ارتفعت في السنوات الأخيرة ظاهرة هدم البيوت وتشريد اهلها بنفس الحجج، وتركز هذا الإجراء في مدينة سلوان المجاورة للأقصى الحبيب ووصلت الى الشيخ جراح وبيت حنينا وشعفاط والعيسوية وغيرها ، وما زال الطوفان مستمرا في الزحف ليغرق الجميع اذا لم يصدر قرار صارم لوقف اسرائيل عن افعالها التعسفية ، فهل هناك ضمائر حية تعي وتفهم وتقدر حجم الخطر المحدق حولنا ، وهل في قادتنا بطلا واحدا يقف في وجهها لا معها ؟؟؟؟

ومما لا شك فيه ان للثورات العربية في السنين الثلاثة الأخيرة وانشغال العرب في مشاكلهم الداخلية وما سبق ذلك من غزو العراق وأفعانستان ومحاربة الإسلام بحجة الإرهاب (والذي اقنعت به امريكا والصهيونية العالمية العالم لتحقيق أهدافها في السيطرة وبسط نفوذها فأغرقت العرب في بحور الدم ونجحت في زرع الفتنة ليقتتلوا فيما بينهم )وغير ذلك من المشاكل والقضايا السياسية الأثر الكبير في صرف عيون العالم عن قضيتنا الفلسطينية العادلة ودحرها في أدراج النسيان والتجاهل لتتاح الفرصة للصهاينة فعل ما يشاؤون فيها وفي شعبها المناضل ..

ويبقى الأمل أن يأتينا بطلا كصلاح الدين او عمر فاتحا للقدس وكل فلسطين ناصرا لنا لي فتح مطار فلسطين بوابة العودة والرجوع ، ويعود جميع الفلسطينيين الى وطنهم الأم وينتهي مسلسل الترانسفير والاقتلاع القسري من الجذور والانتماء ، ويطبق على الغرباء المندسين بيننا كالجراد ليكون تهجيرا لهم وعودة لنا بإذن الله تعالى ..

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد