نحن لا نختار مستقبلنا، الموضوع أبسط من ذلك، لان المستقبل لا نشارك في صناعته، المستقبل في يد الرئيس، فهو الملهم و من يفكر ويفصل ويقرر بدل عنا ويفعل ما يريد ويدعنا نقول ما نريد، هو ادرى بفريقه و مستشاريه ووزراؤه منا، فالرئيس لا يسمع نبض الشارع، ولا يقرأ الصحف ولا تقارير الاجهزة الامنية التي تكتب له عن دبة النملة، اصر على أن يبقى رياض المالكي بجواره وبقى و كأنه كاتم اسرار الملك.

الموضوع ببساطة ليس المالكي او غيره، هو نظام قائم، فالرئيس يمنح العطايا للمقربين منه، والناس تعلم من هم هؤلاء فلا يخفى على الناس شيئ وان صمتوا فذاكرتهم ما زالت حية، لا ينسوا وزراء عمروا في حكومة الانقسام واغتنوا، والرئيس مصر ان يبقي عليهم، ما يجري هو اهانة للناس وللقضية، والرئيس يناور للخروج من ازمته امام اسرائيل وقناعته المطلقة بالانتخابات والتنسيق الامني المقدس.

و الحكومة التي صاحبتها التسريبات والشائعات كانت مفاجئة المفاجآت، ولا علاقة لها بالتوافق الوطني كما يشاع ولا اجماع عليها، والشعب الفلسطيني لديه من الشخصيات والقدرات والكفاءات العالية التي تؤهل كثيرون ليكونوا وزراء، وتشكيلة الحكومة وتركيبتها جاءت بعد ان خضعت للتمحيص والتدقيق من اكثر من جهة عربية ودولية، حتى إلغاء وزارة الاسرى جاء بقرار من الخارج .

وببساطة ان النتيجة الفشل لهذه الحكومة، فولادتها متعسرة لأن الاتفاق كان ودياً وان بدا عدم التوافق على بعض الوزراء، وكأننا نشاهد مباراة كرة قدم ودية بين فريقين اتفقا على النتيجة مسبقا، والحكم تغاضى عن الاخطاء، وإن تدارك فريق انها مباراة ودية فالمباراة كانت نتيجتها محسومة. الحديث لا يدور عن الهدف انما عن الطريق وسرعة المضي نحو المستقبل، لذلك فان المستقبل غامض وقضيتنا ليست تشكيل حكومة فقط بل اعادة الاعتبار للقضية والمشروع الوطني وإعادة بناء منظمة التحرير كي تكون قادرة على تمثيل الكل الفلسطيني.

الزمن يتغير ويتطور، ونحن كما نحن مكانك سر، والادعاء بتحقيق انجازات هو قفز في الهواء، بالنسبة لي ولغيري كنت وما زلت اعتبر أن السلطة جاءت لتكون بديل عن منظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وانها ليست مؤسسة فارغة المضمون يتم استغلالها والاستفراد فيها، وانها ليست ملكية للرئيس وتنظيمه بل هي ملكا للشعب وبنيت بتضحيات ودماء الشهداء والأسرى المنسيين الان.

لا مجال إذن للمزايدات وللمواقف السياسية، ومشاحنات إعلامية تخلط الأمور، فعندما يطالب الناس بإتمام المصالحة وتشكيل الحكومة فيهم يطالبون بإنهاء الانقسام بكل اشكاله، نطالب بإعادة بناء منظمة التحرير لتكون ممثل حقيقي للشعب الفلسطيني وبناء استراتيجية وطنية يشارك فيها الكل الفلسطيني، بعيداً عن الاستفراد هذا يعني انتصارا للقضية والوطن وتحديد المفاهيم والأولويات، و أن تكون منظمة التحرير ومؤسساتها خالية من الفساد والمحسوبية في التعيينات، والعاملين فيها يكونوا أكثر تدريبا وتأهيلاً وتطوراً، وارتباطا بأحدث المفاهيم في التعامل مع العالم، من خلال تركيزها في البعثات الدبلوماسية، وفهم طبيعة المرحلة.

من المحزن التضحية بمنظمة التحرير لأجل سلطة بائسة، الغرض منها حماية اسرائيل ومصالح حفنة من المسؤولين فيها، الرئيس بدل من ان يلتقي الصحافيين الفلسطينيين ويسمع منهم ويقول لهم ما يدور، يخصص لقاء منفرداُ مع صحافي يعمل في موقع الكتروني، و بدل ما يدير نقاش مع الشعب الفلسطيني يدير نقاش مع مجموعات من الاسرائيليين لا يؤثروا ولا يتأثروا ويأتوا الى رام لله للنزهة و التصوير والثرثرة.

كنت أتمنى أن يقوم الرئيس بدوره كقائد للشعب يحترم ارادته ويسمع انتقاداته، ويعمل على انهاء الانقسام وليس فقط تشكيل حكومة لإدارة الانقسام، و من دون أن يشوه صورة نضالنا وتضحياتنا، الصورة التي وصل إليها باعتباره رئيساً لمنظمة التحرير وقائد للثورة الفلسطينية ولأعدل قضية في الكون، يسمع الناس ويحترم ارادتهم.

ضجيج الحكومة والهروب من الازمة بخلق ازمات جديدة يعمق الانقسام، وعدم الاجابة على الاسئلة يزيد الهوة، وطبيعة موجات الدعاية التي كانت سائدة وما زالت عادة ما تسيطر على أي تفكير عقلاني، فالكل مشغول بالحكومة وحساب المواقف بطريقة حادة، لكن في كل الأحوال يجب ألا نعالج الخطأ بخطيئة.

المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، ويستحيل أن ينجزها الرئيس وحده، لأننا امام مشروع وطني واحتلال عنصري يفرض كل يوم وقائع على الارض ويتنكر لحقوقنا، مشروعنا يحتاج إلى كل القوى والى كل المنابر، وآلية للتواصل بين الناس و صناع القرار، بحيث لا نعود مجددا إلى فخ الانقسام والانقلابات والأبواب المغلقة، أو نستسهل لغة و سياسة التحريض، وتبقى الوصاية على الشعب وكأنه قاصر ومن دون ممثلين شرعيين فهذه ستكون وصمة تلاحقنا.

لذلك يبقى السؤال: كيف يمكن أن نحافظ على قضيتنا وان نوفر الكرامة والعيش الكريم للناس في ظل الاحتلال والحصار والفقر والبطالة؟ كيف يمكن أن نتحرر من لعنة الاستفراد و المحاصصة وغياب الشراكة، و نحن بين فكي المستقبل والاحتلال والأمر الواقع؟

أننا لن نتحرر من كل ذلك، إلا إذا تجاوزنا المحاصصة و إدارة الانقسام بدل من إنهاؤه بشكل جذري و حقيقي، وعدنا إلى التخاطب بلغة العقل والحوار بين الكل الفلسطيني، وروح التوافق، من دون أن نسمح لأحد بالوصاية علينا، ونحن نستطيع اذا ادركنا ان الاحتلال ما زال جاثماً وترعبه فكرة انهاء الانقسام وإتمام المصالحة.

mustafamm2001@yahoo.com
mustaf2.wordpress.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد