بغض النظر عن بعض الملاحظات التي تتصل بالمشاورات حول تشكيل حكومة الوفاق الوطني، قبل الاعلان عنها اليوم او غداً على أبعد تقدير، فإن مرحلة انهاء الانقسام بمقوماته المعروفة خلال السنوات السبع السابقة، قد بدأت، وإن مجريات المصالحة الوطنية قد اصبحت واقعاً تهيأت له ظروف مناسبة داخلياً وخارجياً، باستثناء الرفض الاسرائيلي.

للصحافة ان تبحث عن صغائر الامور، وما يتصل منها خصوصاً بخلافات مرة حول وزارة الاسرى، وأخرى حول حقيبة الخارجية، وربما تكون هناك بعض الملاحظات الاخرى، ولكن الاتجاه العام لتطور العلاقات الداخلية الفلسطينية يذهب في اتجاه تحقيق المصالحة.

وحين تتم تسوية الخلافات بشأن المرشحين للوزارة الجديدة، تبحث الصحافة عن اخبار، واسباب اخرى، لاظهار تشككها بنوايا الطرفين، تبرز على سبيل المثال موضوع الاعتقال السياسي، الذي تشكو حركة حماس من انه سلوك لم يتوقف رغم كل ما جري ويجري.

في سابق ايام وسنوات الحوارات السابقة التي انتهت بخيبات امل كثيرة كانت في الواقع تشير الى عدم نضج الظروف الموضوعية والذاتية التي تتصل بملف المصالحة، كان أي من هذه القضايا كفيلا بالارتداد عن كل الخطوات والتصريحات الايجابية، التي لم تكن اكثر من اعلانات براءة، او مجرد تكتيك سياسي، غير ان اليوم يختلف عن الامس.

الرئيس محمود عباس لم يتوقف عن الاعلان بأن الحكومة الجديدة، على أنها تلبي شروط الرباعية الدولية، وهو اعلان سياسي بامتياز يؤشر على طبيعة المرحلة القادمة، للكل الفلسطيني في اطار المؤسسة الوطنية الفلسطينية.

كان مثل هذا الاعلان سيؤدي الى تفجير كل مجرى المصالحة في ظروف مختلفة، لكن مسايرة حماس، وصمتها عن مثل هذا الاعلان رغم رفضها كحركة لشروط الرباعية الدولية، يؤكد مدى جدية الحركة في التوجه نحو المصالحة، وهذه ليست ابراء ذمة، بقدر ما انها تعود الى فهم الاسباب والدوافع التي جعلت المصالحة خيارا يحظى بالاولوية، باعتباره خيارا لضرورة الحصرية، وفي الأفق يبدو أن هذا الخيار سيظل قائماً ويستمد استمراريته من استمرار الظروف التي انتجته.

هذا لا يعني بالضرورة بأن حركة حماس ذاهبة باتجاه الانخراط في مجرى المفاوضات، والتسوية، هذه المفاوضات التي تواجه صعوبات حقيقية من قبل اسرائيل، حتى لم تعد سبباً لتبرير الانقسام الفلسطيني طالما انها أي المفاوضات تحولت الى تكتيك سياسي لكسب المزيد من التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقوقه، ولإحكام طوق العزلة حول رقبة اسرائيل.

المفاوضات اصبحت معركة سياسية، وفي ضوء السياسات والمواقف الاسرائيلية تتحول الى شكل فعال من اشكال النضال السلمي، ولو الى حين.

نقول الى حين، لأن المجتمع الدولي، بما في ذلك واساساً الولايات المتحدة، لم يفقد الأمل، ازاء القيام بمبادرات جديدة تجعل المفاوضات مجرى سياسياً واقعياً، مع كل ما يتطلبه ذلك، من استعدادات لتقديم تنازلات، جرى التبشير بأهمها خلال المرحلة السابقة، وشكلت ما يمكن اعتباره "حافظة المرونة الفلسطينية"، التي تؤسس لحقوق منقوصة، لا تتفق مع الاعلانات المتكررة بشأن الالتزام بالثوابت الوطنية، التي تحتاج الى اعادة تعريف بعد أن اصابها ما اصابها.

في مواجهة مرحلة المصالحة، أو مرحلة انهاء الانقسام، تقف اسرائيل وحدها، غير قادرة على تجنيد وتفعيل ما تحوز عليه من اوراق القوة، وهي كثيرة، لوقف مسيرة الفلسطينيين، التي تصب في مجرى التحضير الذاتي، المستجيب لرؤية الدولتين، التي اصبحت رؤية دولية.

المصالحة، بدءاً بتشيكل واعلان الحكومة وبالمواصفات والشروط التي اعلنها الرئيس عباس، ودون معارضة فاعلة، هذه المصالحة، تعني أن الفلسطينيين شركاء كاملو الاهلية للخوض في تسوية مع اسرائيل، وتعني ايضاً ان على المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤولياته تجاه تحقيق رؤية الدولتين، التي اصبحت جزءاً اساسياً من منظومة السياسات الاميركية.

كان ولا يزال نتنياهو يرغب في أن يفعل الكثير، لافشال المصالحة، التي تسدد ضربة مهمة للمخططات والسياسات الاسرائيلية، التي انبنت على واقع وجود انقسام فلسطيني، قدم لها كل الذرائع المطلوبة لتعطيل الجهد الدولي ازاء رؤية الدولتين، غير انه اي نتنياهو غير قادر على ان يفعل ما يشاء نظراً للعزلة التي وضع دولته فيها.

الحكومة الاسرائيلية تبدو مرتبكة ازاء كيفية التعامل مع مخرجات المصالحة الفلسطينية ، فمرة يطلق مسؤولوها تصريحات وتهديدات باتخاذ اجراءات من جانب واحد، هي في الواقع، حقيقة ما تخطط له اسرائيل، ومرات، تطلق تهديدات تنتمي الى الاجراءات العقابية.

آخر ما تفتق عنه ذهن القيادة الاسرائيلية المتطرفة، استعدادها لوقف الاتصالات بالسلطة الفلسطينية، بمجرد ان تؤدي حكومة الدكتور رامي الحمد الله أداء القسم.

وقف هذه العلاقات لا شك يؤثر سلبا لبعض الوقت على اداء الحكومة، وعلى احوال الناس، ولكن ماذا لو ان السلطة اكملت ما أرادته اسرائيل بوقف كل اشكال العلاقة والتنسيق واساساً التنسيق الامني؟ في هذه الحالة قد تبرر اسرائيل لنفسها، تصعيد الضغط بما في ذلك ارتكاب اعتداءات عسكرية، او تكثيف الاستيطان، او اتخاذ اجراءات خطيرة في القدس ، او كل ذلك، ولهذا كان على الفلسطينيين ان يتحضروا لذلك سياسياً وميدانياً، عبر مزيد من التوحد الحقيقي على ارض الواقع.
هكذا تكون المصالحة على علاتها وصفة مطلوبة لتظهير حقائق الصراع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد